وعبارة الدارقطنيّ في "العلل": واختُلِف عن ابن عيينة، فرُوي عن محمد بن عباد المكيّ عنه، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن أبي بُردة، عن أبيه، عن أبي موسى، وخالفه سهل صقير، فرواه عن ابن عيينة عن مسعر، وغيره، عن سعيد بن أبي بردة، وكلاهما غير محفوظ. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: خلاصة القول أن ما قاله الدارقطنيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - وجيه، وذلك أن محمد بن عبّاد تفرّد عن سفيان، وخالفه غيره، وهو ليس بحافظ، إلَّا أن متن الحديث صحيح محفوظ من الطرق الأخرى، فلا حرج على مسلم، حيث أورده في معرض المتابعة، لا في معرض الاحتجاج، فتأمل بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ عَمْرٍو) هو ابن دينار أنه (سَمِعَهُ)؛ أي: سمع هذا الحديث (مِنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ) أبي بردة عامر، وقيل غيره، (عَنْ جَدِّهِ) أبي موسى الأشعريّ - رضي الله عنه - (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَهُ)؛ أي: أبا موسى (وَمُعَاذًا)؛ أي: ابن جبل - رضي الله عنه - (إِلَى الْيَمَن، فَقَالَ لَهُمَا: (بَشِّرَا، وَيَسِّرَا)؛ أي: خذا بما فيه اليُسر والسهولة، زاد في الرواية السابقة في "الجهاد والسِّير": "ولا تعسّرا"؛ أي: لا تأخذا بما فيه الشدّة. (وَعَلِّمَا)؛ أي: علِّما الناس أمور دينهم، (ولَا تَنَفِّرَا") وفي الرواية السابقة في "الجهاد والسِّير" [٣/ ٤٥١٦](١٧٣٣): "يسّرا، ولا تعسّرا، وبشّرا، ولا تُنفّرا"، قال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "يسّرا، ولا تعسّرا، وبشّرا ولا تنفّرا" هذا من باب المقابلة المعنوية، لأنَّ الحقيقية أن يقال: بشّرا، ولا تنذرا، وآنسا، ولا تنفّرا، فجَمَع بينهما، لتعمّ البشارة والنذارة، والتأنيس والتنفير.
قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ - بعد نقل كلام الطيبيّ هذا: ويظهر لي أن النكتة في الإتيان بلفظ البشارة، وهو الأصل، وبلفظ التنفير، وهو اللازم، وأتى بالذي بعده على العكس، للإشارة إلى أن الإنذار لا يُنفَى مطلقًا، بخلاف التنفير، فاكتفَى بما يلزم عنه الإنذار، وهو التنفير، فكأنه قيل: إن أنذرتم، فليكن بغير