وفي "صحيح مسلم" عن سعيد بن أبي بردة، عن أبي موسى، عن أبيه، عن جدّه، أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن البتع والمزر، قال: وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه، فقال:"أنهى عن كلّ مسكر أسكر عن الصلاة".
وروى هشام بن عمار في "كتاب البعث" بإسناده عن أبي سلّام الحبشيّ قال: حُدِّثت أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول:"فضِّلت على مَن قبلي بستّ، ولا فخر … "، فذكر منها جوامع الكلم، فقال:"وأُعطيت جوامع الكلم، وكان أهل الكتاب يجعلونها جزءًا بالليل إلى الصباح، فجمَعها لي ربي في آية واحدة: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١)} [الحديد: ١](١).
قال: فجوامع الكلم التي خُصَّ بها النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نوعان:
أحدهما: ما هو في القرآن، كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} الآية [النحل: ٩٠]، قال الحسن: لَمْ تترك هذه الآية خيرًا إلَّا أمرت به، ولا شرًّا إلَّا نهت عنه.
والثاني: ما هو في كلامه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو منتشر موجود في السنن المأثورة عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد جَمَع العلماء - رضي الله عنهم - جموعًا من كلماته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجامعة، فصنّف الحافظ أبو بكر بن السنيّ كتابًا سمّاه: "الإيجاز وجوامع الكلم من السنن المأثورة"، وجَمَع القاضي أبو عبد الله القُضَاعيّ من جوامع الكلم الوجيزة كتابًا سمّاه: "الشهاب في الحِكَم والاداب"، وصنّف على منواله قوم آخرون، فزادوا على ما ذكره زيادة كثيرة، وأشار الخطابيّ في أول كتابه "غريب الحديث" إلى يسير من الأحاديث الجامعة، وأملى الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح مجلسًا سمّاه: "الأحاديث الكلية" جمع فيه الأحاديث الجوامع التي يقال: إن مَدَار الدِّين عليها، وما كان في معناها من الكلمات الجامعة الوجيزة، فاشتمل مجلسه هذا على ستة وعشرين حديثًا، ثم إن الفقيه الإمام الزاهد القدوة أبا زكريا يحيى النوويّ رحمة الله عليه أخذ هذه الأحاديث التي أملاها ابن الصلاح، وزاد عليها تمام اثنين وأربعين حديثًا، وسَمّى كتابه بالأربعين، واشتهرت هذه الأربعون التي جَمَعها، وكَثُر حِفْظها، ونفع الله بها ببركة نيّة