للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جامعها، وحُسْن قَصْده رحمه الله تعالى. انتهى كلام ابن رجب: - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

وقوله: (فَقَالَ: "أنهَى عَنْ كُلّ مُسْكِرٍ، أَسْكَرَ عَنِ الصَّلَاةِ" أي: صدّ عن إقامتها.

[تنبيه]: كتب الحافظ ابن رجب على هذا الحديث بحثًا طويلًا مفيدًا جدًّا، ولكثرة فوائد، وغزارة عوائده أحببت إيراده هنا؛ لأنَّ كتابي هذا ليس موضوعًا على الاختصار، وإنما هو موضوع على التطويل، واستيفاء المسائل، وغَرَضي من كتابته جَمْع ما وصل إليّ من الفوائد النفيسة، المتعلّقة بأحاديث مسلم، فلا تسام أيها الطالب المنهوم بالعلم، والمشغوف بالفهم إن أطلت عليك البحث، وقد نبّهتك على هذا في أوائل الكتاب، والله تعالى يتولّى هُداي وهُداك.

قال: - رَحِمَهُ اللهُ - هذا الحديث أصل في تحريم تناول جميع المسكرات المغطية للعقل، وقد ذكر الله تعالى في كتابه العلة المقتضية لتحريم المسكرات، وكان أول ما حُرّمت الخمر عند حضور وقت الصلاة لَمّا صلى بعض المهاجرين، وقرأ في صلاته، فخلط في قراءته، فنزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣]، وكان منادي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينادي: لا يقرب الصلاة سكران (٢)، ثم إن الله حرّمها على الإطلاق بقوله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: ٩٠ - ٩١]، فذَكَر علة تحريم الخمر والميسر وهو القمار، وهو أن الشيطان يوقع بينهم العداوة والبغضاء، فإن من سَكِرَ اختل عقله، فربما تسلّط على أذى الناس في أنفسهم وأموالهم، وربما بلغ إلى القتل، وهي أم الخبائث، فمن شربها قتل النفس، وزنى، وربما كَفَر، وقد رُوي هذا المعنى عن عثمان


(١) "جامع العلوم والحكم" ١/ ٤ - ٥.
(٢) رواه أحمد ١/ ٥٣، وأبو داود (٣٦٧٠)، والترمذيّ (٣٠٤٩)، والنسائيّ ٨/ ٢٨٦ - ٢٨٧، وصححه ابن المدينيّ والترمذيّ.