للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وغيره، وروي مرفوعًا أيضًا (١).

ومن قامر فربما قُهِر، وأُخذ ماله قهرًا، فلم يبق له شيء، فيشتد حقده على من أَخذ ماله، وكل ما أبي إلى إيقاع العداوة والبغضاء كان حرامًا، وأخبر أن الشيطان يصدُّكم بالخمر والميسر عن ذكر الله، وعن الصلاة، فإن السكران يزول عقله، أو يختلّ، فلا يستطيع أن يذكر الله، ولا أن يصلي، ولهذا قالت طائفة من السلف: إن شارب الخمر تمرّ عليه ساعة لا يَعرف فيها ربه، والله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - إنما خلقهم ليعرفوه، ويذكروه، ويعبدوه، ويطيعوه، فما أدى إلى الامتناع من ذلك، وحال بين العبد وبين معرفة ربه وذكره ومناجاته كان محرَّمًا، وهو السكر، وهذا بخلاف النوم، فإن الله تعالى جبل العباد عليه، واضطرهم إليه، ولا قوام لأبدانهم إلَّا به؛ إذ هو راحة لهم من السعي والنصب، فهو من أعظم أَنْعُم الله على عباده، فإذا نام المؤمن بقدر الحاجة، ثم استيقظ إلى ذكر الله ومناجاته ودعائه، كان نومه عونًا له على الصلاة والذكر، ولهذا قال بعض الصحابة: إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.

وكذلك المَيْسر يصدّ عن ذكر الله، وعن الصلاة، فإن صاحبه يعكف بقلبه عليه، ويشتغل به عن جميع مصالحه ومهماته، حتى لا يكاد يذكرها؛ لاستغراقه فيه، ولهذا قال عليّ لمّا مرّ على قوم يلعبون بالشطرنج: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ (٢)، فشبّهم بالعاكفين على التماثيل، وجاء في الحديث: "إن مدمن الخمر كعابد الوثن" (٣)، فإنه يتعلق قلبه به فلا يكاد يمكنه أن يَدَعها كما لا يدع عابد الوثن عبادته، وهذا كله مضادّ لِمَا خلق الله العباد لأجله من تفريغ قلوبهم لمعرفته ومحبته وخشيته وذِكره ومناجاته ودعائه والابتهال إليه، فما حال بين العبد وبين ذلك، ولم يكن بالعبد إليه ضرورة، بل كان ضررًا محضًا عليه كان محرّمًا، وقد روي عن عليّ أنه قال لمن رآهم يلعبون بالشطرنج: ما لهذا


(١) رواه النسائيّ ٨/ ٣١٥ موقوفًا على عثمان، ورواه ابن حبّان في "صحيحه" (٥٣٢٤) عنه مرفوعًا.
(٢) رواه ابن أبي شيبة ٨/ ٧٣٨، والبيهقيّ ١٠/ ٢١٢، وفي إسناده انقطاع.
(٣) رواه أحمد، وابن ماجة، وصححه ابن حبّان.