خُلقتم. ومن هنا يُعلم أن المَيْسر محرّم سواء كان بِعِوَض، أو بغير عوض، وأن الشطرنج كالنَّرد، أو شرّ منه؛ لأنَّها تشغل أصحابها عن ذكر الله، وعن الصلاة أكثر من النرد.
والمقصود أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"كلّ مسكر حرام، وكل ما أسكر عن الصلاة فهو حرام".
وقد تواترت الأحاديث بذلك عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأخرجا في "الصحيحين" عن ابن عمر، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"كلّ مسكر خمر، وكل خمر حرام"، ولفظ مسلم:"وكل مسكر حرام"، وأخرج أيضًا من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن البتع، فقال:"كلّ شراب أسكر فهو حرام"، وقد صحح هذا الحديث أحمد، ويحيى بن معين، واحتجا به، ونقل ابن عبد البرّ إجماع أهل العلم بالحديث على صحته، وأنه أثبت شيء يُرْوَى عن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تحريم المسكر.
وأما ما نقله بعض فقهاء الحنفية عن ابن معين مِنْ طَعْنه فيه، فلا يَثبت ذلك عنه.
وأخرج مسلم من حديث أبي الزبير، عن جابر، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"كلّ مسكر حرام".
وإلى هذا القول ذهب جمهور من علماء المسلمين من الصحابة والتابعين، ومَنْ بَعْدَهم من علماء الأمصار، وهو مذهب مالك، والشافعيّ، والليث، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، ومحمد بن الحسن، وغيرهم، وهو مما أَجمع على القول به أهل المدينة كلهم.
وخالف فيه طوائف من علماء أهل الكوفة، وقالوا: إن الخمر إنما هو خمر العنب خاصّةً، وما عداها فإنما يَحْرُم منه القَدْر الذي يُسكر، ولا يحرم ما دونه، وما زال علماء الأمصار يُنكرون ذلك عليهم، وإن كانوا في ذلك مجتهدين مغفورًا لهم، وفيهم خَلْق من أئمة العلم والدّين، قال ابن المبارك: ما وجدت في النبيذ رخصة عن أحد صحَّ إلَّا عن إبراهيم؛ يعني: النخعيّ، ولذلك أنكر الإمام أحمد أن يكون فيه شيء يصحّ، وقد صنّف "كتاب الأشربة"، ولم يذكر فيه شيئًا من الرخصة، وصنّف كتابًا في المسح على الخفين، وذكر فيه عن بعض السلف إنكاره، فقيل له: كيف لَمْ تجعل في "كتاب الأشربة" الرخصة كما