١٧ - (ومنها): أنه ينبغي لمن استؤذن في مثل ذلك أن يأذن للطارئ، كما فعل أبو شعيب، وذلك من مكارم الأخلاق، ولعله سمع الحديث:"طعام الواحد يكفي الاثنين"، أو رجا أن يعم الزائد بركة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وإنما استأذنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تطييبًا لنفسه، ولعله عَلِم أنه لا يمنع الطارئ.
وأما توقف الفارسيّ في الإذن لعائشة - رضي الله عنها - ثلاثًا وامتناع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من إجابته، فأجاب عياض بأنه لعله إنما صنع قدر ما يكفي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وحده، وعَلِم حاجته لذلك، فلو تبعه غيره لم يسدّ حاجته، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - اعتَمَد على ما أَلِف من إمداد الله تعالى له بالبركة، وما اعتاده من الإيثار على نفسه، ومن مكارم الأخلاق مع أهله، وكان من شأنه - صلى الله عليه وسلم - أن لا يراجِع بعد ثلاث، فلذلك رجع الفارسيّ عن المنع.
١٨ - (ومنها): أن في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه اتَّبعنا رجل لم يكن معنا حين دعوتنا" إشارةً إلى أنه لو كان معهم حالة الدعوة لم يَحتج إلى الاستئذان عليه، فيؤخذ منه أن الداعي لو قال لرسوله: ادعُ فلانًا وجلساءه جاز لكل من كان جليسًا له أن يحضر معه، وإن كان ذلك لا يستحبّ، أو لا يجب حيث قلنا بوجوبه إلا بالتعيين.
١٩ - (ومنها): أنه لا ينبغي أن يُظهر الداعي الإجابةَ وفي نفسه الكراهة؛ لئلا يَطعَم ما تكرهه نفسه، ولئلا يجمع الرياء، والبخل، وصفةَ ذي الوجهين، كذا استدَلّ به عياض.
وتعقبه العراقيّ في "شرح الترمذيّ" بأنه ليس في الحديث ما يدلّ على ذلك، بل فيه مطلق الاستئذان والإذن، ولم يكلّفه أن يَطّلع على رضاه بقلبه، قال: وعلى تقدير أن يكون الداعي يكره ذلك في نفسه، فينبغي له مجاهدة نفسه على دفع تلك الكراهة، وما ذَكَره من أن النفس تكون بذلك طيّبة لا شك أنه أَولى، لكن ليس في سياق هذه القصة ذلك، فكأنه أَخَذه من غير هذا الحديث.
قال الحافظ: والتعقب عليه واضحٌ؛ لأنه ساقه مساق من يستنبطه من حديث الباب، وليس ذلك فيه. انتهى.
٢٠ - (ومنها): ما قال في "الفتح": إن في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اتبعنا رجل"، فأبهمه، ولم يعيّنه أدبًا حسنًا؛ لئلا ينكسر خاطر الرجل، ولا بد أن ينضم إلى