(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)}:
قال أبو عبد الله القرطبيّ - رحمه الله - في "تفسيره": واختلف أهل التأويل في النعيم المسئول عنه على عشرة أقوال:
[أحدها]: الأمن، والصحة، قاله ابن مسعود - رضي الله عنه -.
[الثاني]: الصحة، والفراغ، قاله سعيد بن جبير، وفي "صحيح البخاريّ" عنه - صلى الله عليه وسلم -: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ".
[الثالث]: الإدراك بحواس السمع، والبصر، قاله ابن عباس - رضي الله عنهما -، وفي التنزيل:{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء: ٣٦]، وأخرج الترمذيّ عن أبي هريرة، وأبي سعيد - رضي الله عنهما - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول له: ألم أجعل لك سمعًا، وبصرًا، ومالًا، وولدًا. . ."، الحديث، قال الترمذيّ: حديث حسن صحيح.
[الرابع]: ملاذّ المأكول والمشروب، قاله جابر بن عبد الله الأنصاريّ - رضي الله عنهما -، وحديث أبي هريرة يدل عليه.
[الخامس]: أنه الغداء، والعشاء، قاله الحسن.
[السادس]: قول مكحول الشاميّ: إنه شِبَع البطون، وبارد الشراب، وظلال المساكن، واعتدال الخلق، ولذة النوم، ورواه زيد بن أسلم عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}[التكاثر: ٨]؛ يعني: عن شبع البطون. . .، فذكره، ذكره الماورديّ، وقال: وهذا السؤال يعم الكافر والمؤمن، إلا أن سؤال المؤمن تبشير بأن يجمع له بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة، وسؤال الكافر تقريع أن قابَلَ نعيم الدنيا بالكفر والمعصية.
وقال قوم: هذا السؤال عن كل نعمة، إنما يكون في حق الكفار، فقد روي أن أبا بكر لمّا نزلت هذه الآية قال: يا رسول الله، أرأيت أكلة أكلتها معك في بيت أبي الهيثم بن التيّهان، من خبز شعير، ولحم، وبسر قد ذَنّب، وماء عذب، أتخاف علينا أن يكون هذا من النعيم الذي نسأل عنه؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ذلك للكفار، ثم قرأ: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (١٧)} [سبأ: ١٧] "، ذكره القشيريّ أبو نصر.