للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعض النسخ: "يتّبع" بتاء واحدة، من الاتّباع، أو من التبَعِ. (الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ الصَّحْفَةِ)؛ أي: من جوانبها، وفي رواية البخاريّ: "من حوالي القصعة" - بفتح القاف - زاد في رواية: "يأكلها"؛ أي: لأنها كانت تعجبه، ويترك القديد؛ إذ كان لا يشتهيه حينئذ، قال الزرقانيّ - رحمه الله -: فيه أن المؤاكل لأهله وخدمه يأكل ما يشتهيه، حيث رآه في ذلك الإناء، إذا عُلِم أن مؤاكله لا يَكْرَه ذلك، وإلا فلا يتجاوز ما يليه، وقد عُلِم أن أحدًا لا يَكره منه - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، بل كانوا يتبركون بِريقه وغيره، مما مسّه، بل كانوا يتبادرون إلى نخامته، فيتدلكون بها. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: وتتبّع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الدبّاء من حوالي القصعة إنما كان ذلك؛ لأن الطعام كان مختلفًا، فكان يأكل ما يعجبه منه - وهو الدُّباء - ويترك ما لا يعجبه - وهو القديد - وقد قدَّمنا جواز ذلك. انتهى (٢).

وقال النوويّ - رحمه الله -: وأما تتبّعه - صلى الله عليه وسلم - الدباء من حوالي الصحفة: فيَحْتَمِل وجهين:

[أحدهما]: من حوالي جانبه، وناحيته من الصحفة، لا من حوالي جميع جوانبها، فقد أمر بالأكل مما يلي الإنسان.

[والثاني]: أن يكون من جميع جوانبها، وإنما نُهِيَ ذلك؛ لئلا يتقذره جليسه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتقذّره أحد، بل يتبرّكون بآثاره - صلى الله عليه وسلم - فقد كانوا يتبرّكون ببصاقه - صلى الله عليه وسلم -، ونخامته، ويَدْلُكون بذلك وجوههم، وشَرِب بعضهم بَوْله، وبعضهم دمه، وغير ذلك مما هو معروف، من عظيم اعتنائهم بآثاره - صلى الله عليه وسلم - التي يخالفه فيها غيره. انتهى (٣).

(قَالَ) أنس - رضي الله عنه - (فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مُنْذُ يَوْمَئِذٍ)؛ أي: من يوم رأيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يتتبّعه من حوالي الصحفة، وفي رواية ثابت عن أنس الآتية: "فجعلت أُلقيه إليه، ولا أطعمه، قال: فقال أنس: فما زلت بعدُ يُعجبني الدبّاء"، وفي


(١) "شرح الزرقانيّ على الموطّأ" ٣/ ٢١١.
(٢) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ٥/ ٣١٤.
(٣) "شرح النوويّ" ١٣/ ٢٢٤.