للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نسبوا العشاء إلى الصِّبية؛ لأنهم إليه أشدّ طلبًا، وهذا هو المعتَمد؛ لقوله في رواية أبي أسامة: "ونطوي بطوننا الليلة"، وفي آخر هذه الرواية أيضًا: "فأصبحا طاويين"، وقد وقع في رواية وكيع عند مسلم: "فلم يكن عنده إلا قُوته، وقُوت صبيانه". انتهى (١).

(قَالَ) الرجل (فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ)؛ أي: ألهيهم بشيء من اللهو يشغلهم عن طلب الطعام، وفي رواية البخاريّ: "فإذا أراد الصبية العَشاءَ، فنوّميهم".

قال النوويّ -رحمه الله-: قوله: "فعلّليهم بشيء" هذا محمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الأكل، وإنما تطلبه أنفسهم على عادة الصبيان، من غير جوع يضرّهم، فانهم لو كانوا على حاجة بحيث يضرّهم تَرْك الأكل لكان إطعامهم واجبًا، ويجب تقديمه على الضيافة، وقد أثنى الله تعالى، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- على هذا الرجل وامرأته، فدلّ على أنهما لم يتركا واجبًا، بل أحسنا، وأجملا -رضي الله عنهما-، وأما هو وامرأته فآثرا على أنفسهما برضاهما مع حاجتهما، وخصاصتهما، فمدحهما الله تعالى، وأنزل فيهما: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] انتهى (٢).

(فَإذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا، فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ) وفي رواية البخاريّ: "فأطفئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة، ففعلت". (وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ)، وذلك لأن الضيف إذا علم أن مُضيفَه لا يأكل ربّما امتنع عن الأكل، أو أكل قليلًا، وهذا من فرط إيثاره -رضي الله عنه-، وحُسْن سياسته.

وفي حديث أنس عند ابن أبي الدنيا: "فجعل يتلمّظ، وتتلمّظ هي حتى رأى الضيف أنهما يأكلان". (فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ)؛ أي: إذا أمال يده إلى المائدة للأكل، (فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ، حَتَّى تُطْفِئِيهِ)؛ أي: لئلا يظهر له تَرْكُهما الأكل، فيَتْرُك هو. (قَالَ: فَقَعَدُوا)؛ أي: الثلاثة: الرجل، والمرأة، والضيف لِأَكْل ذلك الطعام، ولكنْ الزوجان لم يأكلا، (وَأَكَلَ الضَّيْفُ) وحده، وفي رواية البخاريّ: "فقال: هيئي طعامك، وأصبِحي سراجك، ونَوِّمي صبيانك، إذا


(١) "الفتح" ٨/ ٤٩٧ - ٤٩٨، كتاب "مناقب الأنصار" رقم (٣٧٩٨).
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٢.