أرادوا عَشاءً، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونوَّمت صبيانها، ثم قامت كأنها تُصلح سراجها، فأطفأته، فجعلا يُريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين".
(فَلَمَّا أَصْبَحَ)؛ أي: دخل وقت الصباح، (غَدَا) ذلك الرجل الذي أضاف ذلك الضيف (عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-)، وفي حديث أنس: "فصلّى معه الصبح"، (فَقَالَ: "قَدْ عَجِبَ اللهُ) بكسر الجيم من باب تَعِبَ، وفيه إثبات العَجَب لله -سبحانه وتعالى- على ما يليق بجلاله، (مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ")؛ أي: حيث آثراه بطعامهما، وباتا جائعين، وفي رواية البخاريّ: "فقال: لقد عجِب الله عز وجل، أو ضَحِكَ من فلان وفلانةَ، فأنزل الله عز وجل:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}".
وقال في "الفتح": قوله: "لقد عَجِب الله عز وجل، أو ضحك" كذا هنا بالشكّ، وذكره مسلم من طريق جرير، عن فضيل بن غزوان بلفظ: "عجب" بغير شكّ، وعند ابن أبي الدنيا في حديث أنس: "ضحك" بغير شكّ، وقال الخطابيّ: إطلاق العجب على الله محال، ومعناه الرضا، فكأنه قال: إن ذلك الصنيع حَلّ من الرضا عند الله حلول العجب عندكم، قال: وقد يكون المراد بالعجب هنا: أن الله يُعجب ملائكته من صنيعهما؛ لِنُدُور ما وقع منهما في العادة، ثم قول من قال: معنى الضحك هنا الرحمة، قال الخطابيّ: وتأويل الضحك بالرضا أقرب من تأويله بالرحمة؛ لأن الضحك من الكرام يدل على الرضا، فإنهم يوصفون بالبِشْر عند السؤال.
قال الحافظ: الرضا من الله يستلزم الرحمة، وهو لازمه. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: من العجيب الغريب نَقْل الحافظ قول الخطّابيّ: "إطلاق العجب على الله محال" إلى آخر كلامه، بل أقرّه في آخر كلامه، وقد أشار الحافظ نفسه هو في "كتاب التوحيد" من "الفتح" أن التأويل مذهب المتكلّمين، وليس مذهب أهل السُّنَّة من السلف، وأهل الحديث، فكيف يوافق، ويسكت على هذا التأويل السخيف؟
والحاصل أن الواجب إثبات ما أثبته الله في كتابه، أو أثبته النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في حديثه الصحيح من صفات الله تعالى على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى، ومن ذلك صفة
(١) "الفتح" ١٠/ ٦٨٠ - ٦٨١، كتاب "التفسير" رقم (٤٨٨٩).