قال الجامع عفا الله عنه: القول الأول، وهو جواز الأخذ، إلا أن يكون عَيْنه حرامًا، هو الأرجح عندي؛ لقوة أدلّته، كما سبقت الإشارة إليه، والله تعالى أعلم.
٧ - (ومنها): بيان جواز قبول هدية المشرك؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- سأل الرجل: هل يبيع، أو يهدي؟، وفيه فساد قول من حَمَل ردّ الهدية على الوثنيّ دون الكتابيّ؛ لأن هذا الأعرابي كان وثنيًّا، قاله في "الفتح".
وقال في "العمدة": قال الخطابيّ: في قوله: "أم هبة" دليل على قبول الهدية من المشرك لو وهب.
[فإن قلت]: قد قال -صلى الله عليه وسلم- لعياض بن حمار حين أَهْدَى له في شركه:"إنا لا نقبل زَبَد المشركين" يريد عطاءهم.
[قلت]: قال أبو سليمان: يُشبه أن يكون ذلك منسوخًا؛ لأنه قَبِل هدية غير واحد من أهل الشرك: أَهْدَى له المقوقس، وأُكيدر دُومة، قال: إلا أن يزعم زاعم أن بين هدايا أهل الشرك، وهدايا أهل الكتاب فرقًا. انتهى.
قال العينيّ رحمه الله: فيه نظر في مواضع:
[الأول]: أن الزعم بالفرق المذكور يردّه قول عبد الرحمن في نفس هذا الحديث: إن هذا الرجل كان مشركًا، وقد قال له:"أبيعٌ، أم هدية؟ ".
[الثاني]: هدية أكيدر كانت قبل إسلام عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهما- راوي هذا الحديث؛ لأن إسلامه كان في هدنة الحديبية، وذلك في سنة سبع، وهدنة أكيدر كانت بعد وفاة سعد بن معاذ -رضي الله عنه- الذي قال في حقه -صلى الله عليه وسلم- لمّا عَجِب الناسُ من هدية أكيدر-: "والذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذه"، وسعد تُوُفّي بعد غزوة بني قريظة سنة أربع، في قول عقبة، وعند ابن إسحاق سنة خمس، وأيًّا ما كان فهو قبل إسلام عبد الرحمن، وبَعْثُ حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس كان في سنة ست، ذكره ابن منده وغيره، فدلّ على أنه قبل هذا الحديث.
[الثالث]: لقائل أن يقول: هذان اللذان قَبِل منهما هديتهما ليسا سُوقَةً، إنما هما مَلِكان، فَقَبِل هديتهما تألّفًا؛ لأن في ردّ هديتهما نوع حصول شيء.
[الرابع]: نقول: كان قبول هديتهم بإثابته عليهما، وقوله -صلى الله عليه وسلم- لهذا