وقال ابن التين - رَحِمَهُ اللهُ -: قيل: إن الناس في الأكل على ثلاث طبقات: طائفة تأكل كلّ مطعوم من حاجة وغير حاجة، وهذا فعل أهل الجهل، وطائفة تأكل عند الجوع بقدر ما يسدّ الجوع حسبُ، وطائفة يُجَوِّعون أنفسهم يقصدون بذلك قمع شهوة النفس، وإذا أكلوا أكلوا ما يَسُدّ الرّمَقَ. انتهى ملخصًا، وهو صحيح، لكنه لَمْ يتعرض لتنزيل الحديث عليه، وهو لائق بالطائفة الثانية. انتهى (١).
[تنبيه]: اختُلِف في معنى هذا الحديث على أقوال:
[أحدها]: أنه ليس المراد به ظاهره، وإنما هو مَثَلٌ ضُرِب للمؤمن، وزُهده في الدنيا، والكافر، وحرصه عليها، فكأنّ المؤمن لتقلّله من الدنيا، يأكل في مِعًى واحدٍ، والكافر لشدة رغبته فيها، واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء، فليس المراد حقيقة الأمعاء، ولا خصوص الأكل، وإنما المراد: التقلّل من الدنيا، والاستكثار منها، فكأنَّه عَبَّر عن تناول الدنيا بالأكل، وعن أسباب ذلك بالأمعاء، ووجه العلاقة ظاهرٌ.
[الثاني]: أن المعنى أن المؤمن يأكل الحلال، والكافر يأكل الحرام، والحلالُ أقلُّ من الحرام في الوجود، نقله ابن التين، ونَقَل الطحاويّ نحو الذي قبله، عن أبي جعفر بن أبي عمران، فقال: حَمَل قوم هذا الحديث على الرغبة في الدنيا، كما تقول: فلان يأكل الدنيا أكلُا؛ أي: يرغب فيها، وَيحْرِص عليها، فمعنى:"المؤمنُ يأكل في مِعًى واحدٍ"؛ أي: يزهد فيها، فلا يتناول منها إلَّا قليلًا، والكافر في سبعة؛ أي: يرغب فيها، فيستكثر منها.
[الثالث]: أن المراد: حضّ المؤمن على قلة الأكل، إذا عَلِم أن كثرة الأكل صفة الكافر، فإن نفس المؤمن تنفر من الاتّصاف بصفة الكافر، ويدلّ على أنَّ كثرة الأكل من صفة الكفار، قوله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ}[محمد: ١٢].