[الرابع]: أنه على ظاهره، ثم اختلفوا في ذلك على أقوال:
أحدهما: أنه ورد في شخص بعينه، واللام عهديّة، لا جنسيّة، جزم بذلك ابن عبد البرّ، فقال: لا سبيل إلى حمله على العموم؛ لأنَّ المشاهدة تدفعه، فكم من كافر يكون أقلّ أكلًا من مؤمن، وعكسه، وكم من كافر أسلم، فلم يتغيَّر مقدار أَكْله، قال: وحديث أبي هريرة يدلّ على أنَّه ورد في رجل بِعَيْنه، ولذلك عقَّب به مالك الحديث المطلق، وكذا البخاريّ، فكأنه قال: هذا إذا كان كافرًا كان يأكل في سبعة أمعاء، فلما أسلم عوفي، وبورك له في نفسه، فكفاه جزء من سبعة أجزاء، مما كان يكفيه وهو كافر. انتهى.
وقد سبقه إلى ذلك الطحاويّ في "مشكل الآثار"، فقال: قيل: إن هذا الحديث كان في كافر مخصوص، وهو الذي شرب حِلاب السبع شياه، قال: وليس للحديث عندنا مَحْملٌ غير هذا الوجه، والسابق إلى ذلك أوّلًا أبو عبيدة.
وقد تُعُقِّب هذا الحَمْل بأن ابن عمر راوي الحديث فَهِم منه العموم، فلذلك مَنَع الذي رآه يأكل كثيرًا من الدخول عليه، واحتجّ بالحديث، ثم كيف يتأتى حَمْله على شخص بِعَيْنه، مع ما سيأتي من ترجيح تعدد الواقعة، ويورد الحديث المذكور عقب كلّ واحدة منها في حقّ الذي وقع له نحو ذلك؟
القول الثاني: أن الحديث خرج مخرج الغالب، وليست حقيقة العدد مرادةً، قالوا: تخصيص السبعة للمبالغة في التكثير، كما في قوله تعالى:{وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ}[لقمان: ٢٧]، والمعنى أن من شأن المؤمن التقلّل من الأكل؛ لاشتغاله باسباب العبادة، ولعِلْمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما يسدّ الجوع، ويُمسك الرّمَق، ويعِيْن على العبادة، ولخشيته أيضًا من حساب ما زاد على ذلك، والكافر بخلاف ذلك كلّه، فإنه لا يقف مع مقصود الشرع، بل هو تابع لشهوة نفسه، مسترسل فيها، غير خائف من تَبِعات الحرام، فصار أكْل المؤمن لِمَا ذكرته إذا نُسب إلى أكل الكافر؛ كأنه بقَدْر السبع منه، ولا يلزم من هذا اطّراده في حقّ كلّ مؤمن وكافر، فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرًا، إما بحَسَب العادة، وأما لعارض يَعْرِض له من مرض باطن، أو لغير ذلك، ويكون في الكفار من يأكل قليلًا، إما لمراعاة الصحة