للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما ترجيح الحافظ القولَ بأنه فرض كفاية، قائلًا: إن الأحاديث الصحيحة الدالّة على الوجوب لا تنافي كونه على الكفاية … إلى آخر كلامه، فيردّه ما تقدم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عند البخاريّ بلفظ: "فحقّ على كلّ مسلم سمعه أن يشمّته"، فإنه صريح في كونه فرض عين، فتنبّه، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: ثم إنّ شَرْط فرض التشميت أن يَحمَد العاطسُ اللهَ تعالى، لِمَا أخرجه مسلم في "صحيحه"، من حديث أبي موسى الأشعريّ - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا عَطَسَ أحدكم، فحمد الله، فشمّتوه، وإن لم يحمد، فلا تشمّتوه"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف العلماء في حكم الابتداء بالسلام:

ذهب بعض أهل العلم إلى أن الابتداء بالسلام واجب، لظاهر الأمر، وذهب آخرون إلى استحبابه. قال العلامة ابن دقيق العيد - رحمه الله -: استَدَلّ بالأمر بإفشاء السلام من قال بوجوب الابتداء بالسلام، وفيه نظر، إذ لا سبيل إلى القول بأنه فرض عين على التعميم من الجانبين، وهو أن يجب على كلّ أحد أن يسلّم على كلّ من لقيه، لِمَا في ذلك من الحرج والمشقّة، فإذا سقط من جانبي العمومين سقط من جانبي الخصوصين؛ إذ لا قائل: يجب على واحد دون الباقين، ولا يجب السلام على واحد دون الباقين، قال: وإذا سقط على هذه الصورة، لم يسقط الاستحباب؛ لأن العموم بالنسبة إلى كلا الفريقين ممكن. انتهى.

قال الحافظ: - رحمه الله -: وهذا البحث ظاهر في حقّ من قال: إن ابتداء السلام فرض عين، وأما من قال: فرض كفاية، فلا يَرِدُ عليه إذا قلنا فرض الكفاية ليس واجبًا على واحد بِعَيْنه.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أن قول من قال بالوجوب هو الأرجح، لظاهر النصوص الواردة بصيغة الأمر، ولكنه وجوب كفائيّ، لِمَا تقدّم من حديث عليّ - رضي الله عنه -، وغيره، وما ذكره ابن دقيق العيد - رحمه الله - من الحرج والمشقّة في الإيجاب على كل أحد أن يسلّم على كل من لقيه، فليس كذلك، فإن الراجح أنه كفائيّ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.