للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومسلم (١)، وقال: هذا الحديث لم يسمعه أبو عثمان من عمر، بل أخبر عن كتاب عمر، قال: وهذا الاستدراك باطلٌ، فإن الصحيح الذي عليه جماهير المحدثين، ومحققو الفقهاء، والأصوليين جواز العمل بالكتاب، وروايته عن الكاتب، سواءٌ قال في الكتاب: أَذِنت لك في رواية هذا عني، أو أجَزْتك روايته عني، أو لم يقل شيئًا، وقد أكثر البخاريّ ومسلم، وسائر المحدّثين، والمصنفين في تصانيفهم، من الاحتجاج بالمكاتبة، فيقول الراوي منهم، وممن قبلهم: كَتَب إليّ فلان كذا، أو كتب إليّ فلان، قال: حدّثنا فلان، أو أخبرني مكاتبةً، والمراد به هذا الذي نحن فيه، وذلك معمول به عندهم، معدود في المتّصل؛ لإشعاره بمعنى الإجازة، وزاد السمعانيّ، فقال: هي أقوى من الإجازة، ودليلهم في المسألة الأحاديث الصحيحة المشهورة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكتب إلى عُمّاله، ونُوّابه، وأمرائه، ويفعلون ما فيها، وكذلك الخلفاء، ومن ذلك كتاب عمر - رضي الله عنه - هذا، فإنه كَتَبه إلى جيشه، وفيه خلائق، من الصحابة، فدَلّ على حصول الاتفاق منه، وممن عنده في المدينة، ومَن في الجيش على العمل بالكتاب، والله أعلم.

وأما قول أبي عثمان: كَتَب إلينا عمرُ، فهكذا ينبغي للراوي بالمكاتبة أن يقول: كتب إليّ فلان، قال: حدّثنا فلان، أو أخبرنا فلان مكاتبةً، أو في كتابه، أو فيما كتب به إليّ، ونحو هذا، ولا يجوز أن يُطلق قوله: حدّثنا، ولا أخبرنا، هذا هو الصحيح، وجوّزه طائفة من متقدمي أهل الحديث، وكبارهم، منهم منصور، والليث، وغيرهما. انتهى كلام النوويّ رَحِمَهُ اللهُ (٢)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا.

وإلى ما ذُكر من جواز الرواية بالمكاتبة أشار السيوطيّ رَحِمَهُ اللهُ في "ألفيّة الحديث"، حيث قال:

خَامِسُهَا كِتَابَةُ الشَّيْخِ لِمَنْ … يَغِيبُ أَو يَحْضُرُ أَو يَأْذَنُ أَنْ

يُكْتَبَ عَنْهُ فَمَتَى أَجَازَا … فَهْيَ كَمَنْ نَاوَلَ حَيْثُ امْتَازَا


(١) ما سبق عن "الفتح" ظاهر أن الدارقطنيّ رجع عن استدراكه عليهما، فلعلّ النوويّ ما رأى ذلك، والله تعالى أعلم.
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ٤٥ - ٤٦.