للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يجوز لبسه مطلقًا، وحملوا الأحاديث الواردة في النهي عن لبسه، على من لبسه خُيلاء، أو على التنزيه.

قال الحافظ: وهذا الثاني ساقط؛ لثبوت الوعيد على لبسه، وأما قول عياض: حمل بعضهم النهي العام في ذلك على الكراهة، لا على التحريم، فقد تعقبه ابن دقيق العيد، فقال: قد قال القاضي عياض: إن الإجماع انعقد بعد ابن الزبير، ومن وافقه على تحريم الحرير على الرجال، وإباحته للنساء، ذكر ذلك في الكلام على قول ابن الزبير، في الطريق التي أخرجها مسلم: "ألا لا تُلبسوا نساءكم الحرير، فإني سمعت عمر … " فذكر الحديث الآتي في الباب بعد هذا الحديث، قال: فإثبات قول بالكراهة دون التحريم، إما أن يَنقض ما نقله من الإجماع، وإما أن يُثبت أن الحكم العام قبل التحريم على الرجال، كان هو الكراهة، ثم انعقد الإجماع على التحريم على الرجال، والإباحة للنساء، ومقتضاه نسخ الكراهة السابقة، وهو بعيد جدًّا. وأما ما أخرجه عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت، عن أنس - رضي الله عنه - قال: "لقي عمر عبد الرحمن بن عوف، فنهاه عن لبس الحرير، فقال: لو أطعتنا للبسته معنا، وهو يضحك"، فهو محمول على أن عبد الرحمن، فَهِم من إذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له، في لبس الحرير نسخ التحريم، ولم ير تقييد الإباحة بالحاجة، كما سيأتي. قاله في "الفتح".

وقال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: واختلف الناس في لباس الحرير، فمن مانع، ومن مجوّز على الإطلاق، وجمهور العلماء على منعه للرجال، وإباحته للنساء، وهو الصحيح لهذا الحديث - يعني: حديث عمر - رضي الله عنه - المتقدّم - وما في بابه، وهي كثيرة، وأما إباحته للنساء، فيدلّ عليها قوله في هذا الحديث: "إنما بعثت بها إليك لتشقّقها خُمُرًا بين نسائك"، ولمَا خرّجه النسائيّ من حديث عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: إن نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حريرًا في يمينه، وذهبًا في شماله، ثم قال: "إن هذين حرام على ذكر أمتي، حلّ لإناثها"، قال عليّ بن المدينيّ: حديث حسنٌ، ورجاله معروفون.

وهذا كلّه في الحرير الخالص المصمت، فأما الذي سَداه حرير، ولُحمته غيره، فكرهه مالك، وإليه ذهب ابن عمر، وأجازه ابن عبّاس. والْخَزّ، فاختُلف فيه على ثلاثة أقوال: الحظر، والإباحة، والكراهة، وجُلّ المذهب