للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الواو - لكلّ حيوان مسكنه، وسُمع مَأْوِي الإبل بالكسر شاذًّا، ولا نظير له في المعتلّ، وبالفتح على القياس، قاله الفيّوميّ (١). (إِلَي رُكْنٍ شَدِيدٍ) قال ابن الأثير - رحمه الله -: أي: إلى الله تعالى الذي هو أشدّ الأركان وأقواها، وإنما ترحّم عليه؛ لسهوه حين ضاق صدره من قومه حتى قال: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: ٨٠] أراد عزَّ العشيرة الذين يُستند إليهم كما يُستنَدُ إلى الركن من الحائط. انتهى (٢).

وقال النوويّ - رحمه الله -: المراد بالركن الشديد هو الله - سبحانه تعالى -، فإنه أشد الأركان وأقواها وأمنعها، ومعنى الحديث - والله أعلم - أن: لوطًا - عليه السلام - لَمّا خاف على أضيافه، ولم يكن له عَشِيرة تمنعهم من الظالمين، ضاق ذَرْعُهُ، واشتد حزنه عليهم، فغلب ذلك عليه، فقال في تلك الحال: لو أن لي بكم قوةً في الدفع بنفسي، أو آوي إلى عشيرة تمنع، لمنعتكم، وقصد لوط - عليه السلام - إظهار العذر عند أضيافه، وأنه لو استطاع دفع المكروه عنهم بطريقٍ ما لفعله، وأنه بَذَلَ وسعه في إكرامهم، والمدافعة عنهم، ولم يكن ذلك إعراضًا منه؛ عن الاعتماد على الله تعالى، وإنما هو لِمَا ذكرناه، من تطييب قلوب الأضياف.

ويجوز أن يكون نسي الالتجاء إلى الله تعالى في حمايتهم، ويجوز أن يكون التجأ فيما بينه وبين الله تعالى، وأظهر للأضياف التألمّ، وضيق الصدر، والله أعلم. انتهى (٣).

وقال في "الفتح": قوله: {إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}: أي: إلى الله - سبحانة وتعالي -، يشير - صلى الله عليه وسلم - إلى قوله تعالى: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠)} [هود: ٨٠]، ويقال: إن قوم لوط لم يكن فيهم أحد يجتمع معه في نسبه؛ لأنهم من سَدُوم، وهي من الشام، وكان أصل إبراهيم ولوط من العراق، فلما هاجر إبراهيم إلى الشام، هاجر معه لوط، فبعث الله لوطًا إلى أهل سدوم، فقال: لو أن لي مَنَعَةً، وأقاربَ، وعشيرةً، لكنت أستنصر بهم عليكم؛ ليدفعوا عن ضِيفاني، ولهذا جاء في بعض طرق هذا الحديث، كما أخرجه أحمد من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:


(١) "المصباح المنير" ١/ ٣٢.
(٢) "النهاية" ٢/ ٢٦٠.
(٣) "شرح النووي" ٢/ ١٨٥.