للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: ويمكن الجمع بأن الحكة حصلت من القَمْل، فنُسبت العلة تارة إلى السبب، وتارة إلى سبب السبب.

ووقع في رواية محمد بن بشار، عن غندر: "رخص، أو أرخص"، كذا بالشك، وقد أخرجه أحمد عن غندر بلفظ: "رخّص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، وكذا قال وكيع عن شعبة.

قال: وجعل الطبريّ جوازه في الغزو، مستنبَطًا من جوازه للحكة، فقال: دلّت الرخصة في لبسه بسبب الحكة، أن من قَصَد بلبسه ما هو أعظم، من أذى الحكّة، كدفع سلاح العدوّ، ونحو ذلك، فإنه يجوز.

قال: ثم المشهور عن القائلين بالجواز، أنه لا يختص بالسفر، وعن بعض الشافعية يختص. وقال القرطبيّ: الحديث حجة على من منع، إلا أن يدّعي الخصوصية بالزبير وعبد الرحمن، ولا تصح تلك الدعوى.

وقد جنح إلى ذلك عمر - رضي الله عنه -، فروى ابن عساكر من طريق ابن عوف، عن ابن سيرين، أن عمر رأى على خالد بن الوليد، قميص حرير، فقال: ما هذا؟ فذكر له خالد قصة عبد الرحمن بن عوف، فقال: وأنت مثل عبد الرحمن؟، أوَ لك مثل ما لعبد الرحمن؟ ثم أمر من حضره فمزقوه. رجاله ثقات، إلا أن فيه انقطاعًا. انتهى ما في "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله عنه: تبيّن بهذا أن الأثر لا يكون مؤيّدًا لمن ادّعى الخصوصيّة؛ لانقطاعه، فتنبّه.

وقال في موضع آخر: قال الطبريّ: فيه دلالة على أن النهي عن لُبس الحرير لا يدخل فيه من كانت به علّة، يخففها لبس الحرير. انتهى، ويَلتحق بذلك ما يقي من الحرّ، أو البرد، حيث لا يوجد غيره.

قال: وقد خصّ بعض الشافعية الجواز بالسفر دون الحضر، واختاره ابن الصلاح، وخصّه النوويّ في "الروضة" مع ذلك بالحكّة، ونقله الرافعيّ في القمل أيضًا. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب.


(١) "الفتح" ٧/ ١٩٣ - ١٩٤، كتاب "الجهاد" رقم (٢٩١٩).
(٢) "الفتح" ١٣/ ٣٢٠، كتاب "اللباس" رقم (٥٨٣٩).