للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (قُلْتُ: أَغْسِلُهُمَا؟ قَالَ: "بَلْ أَحْرِقْهُمَا") قال القرطبيّ - رحمه الله -: هذا مبالغة في الرَّدع، والزَّجر، ومن باب جواز العقوبة في الأموال، ولم يُسمع عن أحد القول بذلك، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

وقال النوويّ - رحمه الله -: وأما الأمر بإحراقهما، فقيل: هو عقوبة، وتغليظ لزجره، وزَجْر غيره عن مثل هذا الفعل، وهذا نظير أمر تلك المرأة التي لعنت الناقة بإرسالها، وأمر أصحاب بريرة ببيعها، وأنكر عليهم اشتراط الولاء، ونحو ذلك، والله أعلم. انتهى (٢).

وقال السنوسيّ - رحمه الله -: وقيل: إنما أراد بالإحراق إفناءهما ببيع، أو هبة، واستعار لذلك لفظ الإحراق مبالغةً في الإنكار، ويدلّ على هذا أن عبد الله لَمّا أحرقهما، ثم أتى، قال: "يا عبد الله ما فعلت الرَّيْطة"؟، فأخبره، قال: "أفلا كسوتها بعض أهلك، فإنه لا بأس بها للنساء"، وإنما أحرقهما عبد الله لِمَا رأى من شدّة كراهيته لذلك. انتهى (٣).

[تنبيه]: أخرج أحمد، وأبو داود بإسناد صحيح، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: هبطنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثنية، فالتفت إليّ، وعلي رَيْطَة (٤) مُضَرَّجة (٥) بالعُصفُر، فقال: "ما هذه الريطة عليك؟ "، فعرفت ما كره، فأتيت أهلي، وهم يسجُرون (٦) تنورًا لهم، فقذفتها فيه، ثم أتيته من الغد، فقال: "يا عبد الله، ما فعلت الريطة؟ " فأخبرته، فقال: "ألا كسوتها بعض أهلك، فإنه لا بأس به للنساء".

وفيه الإنكار على إحراق الثوب المنتفَع به لبعض الناس، دون بعض؛ لأنه من إضاعة المال المنهيّ عنها، ولكنه يعارض هذا الحديث المذكور في الباب، فقد أَمَره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالإحراق. وقد جمع بعضهم بين الروايتين، بأنه أمَر


(١) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ١٧/ ٩١.
(٢) "شرح النووي" ١٤/ ٥٥ - ٥٦.
(٣) "شرح السنوسيّ" ٥/ ٣٨٢.
(٤) "الرَّيْطة" بفتح الراء، وسكون الياء المثنّاة تحتُ، ثم طاء مهملة، ويقال: رائطة، قال المنذريّ: جاءت الرواية بهما، وهي كلُّ مُلاءة منسوجة بنسج واحد، وقيل: كل ثوب رقيق ليّن، والجمع: ريطٌ، ورِياطٌ.
(٥) بفتح الراء المشدّدة؛ أي: ملطّخة.
(٦) أي: يوقدون.