للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أي: منتهاه أنصاف الساقين، وإنما جَمَع النصف مع كودن الرِّجلين لهما نصفان فقط؛ فرارًا من كراهية إضافة التثنية إلى التثنية فيما هو كالكلمة الواحدة، فهو كقوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤]، وقال السنوسيّ رحمه الله: إنما قال في الحديث: "أنصاف الساقين"؛ ليُشعر بالتوسعة، لا التضييق، فجعل النصف الحقيقيّ، وما يقرب منه كلّ واحد منهما نصفًا من كلّ واحد من الساقين، فيُجمع بحسب ذلك لِيُؤْذِن بأن فضيلة المستحبّ تحصل بالنصف، وما يقرُب منه.

ويَحْتَمل أن يكون جُمِع باعتبار جَعْل كلّ جزء من أجزاء النصف الحقيقيّ نصفًا؛ تسميةً للجزء باسم الكلّ، وتكون نكتة العدول عن الحقيقة التي هي التثنية على هذا الوجه إلى الجمع الذي هو مجاز تضمّنَ المضاف إليه المضافَ، فكُره الجمع بين التثنيتين فيما هو كالشيء الواحد، والوجه الأول أظهر. انتهى (١).

ثم إن كونه إلى أنصاف الساقين بيان للقَدْر المستحبّ، وإلا فيجوز إلى الكعبين؛ لِمَا أخرجه النسائيّ، وابن ماجه، وصححه ابن حبّان عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: قلت لأبي سعيد - الخدريّ -: هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا في الإزار؟ قال: نعم، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِزْرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جُناح عليه ما بينه وبين الكعبين، وما أسفل من الكعبين في النار (٢) - يقول ثلاثًا - لا ينظر الله إلى من جر إزاره بَطَرًا".


(١) "شرح السنوسيّ على مسلم" ٥/ ٣٨٥.
(٢) قوله: "إزرة المؤمن. . . إلخ" قال بعضهم: هو بكسرة الهمزة بمعنى الحالة والهيئة؛ كالْجِلْسة؛ أي: الحالة التي يُرتَضَى منها في الائتزار هي أن تكون على هذه الصفة، يقال: ائتزر إِزْرةً حسنةً، والضمير في قوله: "فيما بينه" راجع إلى ذلك الحدّ الذي تنتهي إليه الإزرة، و"ما" في قوله: "وما أسفل. . . إلخ" موصولة، صلتها محذوفة، وهي "كان"، و"أسفل" منصوب خبرًا لـ "كان"، ويجوز رفع "أسفلُ"؛ أي: الذي هو أسفل، ذكره السنوسيّ في "شرحه" ٥/ ٣٨٥ - ٣٨٦.