قال: وهكذ القرآن فإنه قَرَّرَ ما في الكتب المتقدمة، من الخبر عن الله، وعن اليوم الآخر، وزاد ذلك بيانًا وتفصيلًا، وبَيَّن الأدلة والبراهين على ذلك، وقرّر نبوّة الأنبياء كلِّهم، ورسالة المرسلين، وقرّر الشرائع الكلية التي بُعِث بها الرسل كلهم، وجادل المكذبين بالكتب والرسل بأنواع الحجج والبراهين، وبَيَّن عقوبات الله لهم، ونَصْرَه لأهل الكتب المتبعين لها، وبَيَّنَ ما حُرّف منها، وبُدِّل، وما فَعَله أهل الكتاب في الكتب المتقدمة، وبيّن أيضًا ما كتموه، مما أمر الله ببيانه، وكلَّ ما جاءت به النبوات بأحسن الشرائع والمناهج التي نزل بها القرآن، فصارت له الهيمنة على ما بين يديه من الكتب من وجوه متعددة، فهو شاهد بصدقها، وشاهد بكذب ما حُرّف منها، وهو حاكم بإقرار ما أقرَّه الله، ونسخ ما نسخه، فهو شاهد في الخبريات، حاكم في الأمريّات.
وكذلك معنى الشهادة والحكم يتضمن إثبات ما أثبته الله، من صدق، ومحكم، وإبطال ما أبطله من كَذِب، ومنسوخٍ، وليس الإنجيل مع التوراة ولا الزبور بهذه المثابة، بل هي متبعة لشريعة التوراة إلا يسيرًا نسخه الله بالإنجيل، بخلاف القرآن.
ثم إنه معجز في نفسه لا يقدر الخلائق أن يأتوا بمثله، ففيه دعوة الرسول، وهو آية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبرهانه على صدقه ونبوته، وفيه ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهو نفسه برهان على ما جاء به.
وفيه أيضًا من ضرب الأمثال، وبيان الآيات على تفضيل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما لو جُمِع إليه علوم جميع العلماء، لم يكن ما عندهم إلا بعض ما في القرآن، ومَن تَأَمَّل ما تكلم به الأولون والآخرون في أصول الدين، والعلوم الإلهية، وأمور المعاد، والنبوات، والأخلاق، والسياسات، والعبادات، وسائر ما فيه كمالُ النفوس وصلاحها، وسعادتها، ونجاتها، لم يجد عند الأولين والآخرين من أهل النبوات، ومن أهل الرأي، كالمتفلسفة وغيرهم، إلا بعض ما جاء به القرآن.
ولهذا لم تَحتَج الأمة مع رسولها - صلى الله عليه وسلم - وكتابها إلى نبي آخر، وكتاب آخر،