فضلًا عن أن تحتاج إلى شيء لا يَستقل بنفسه غيره، سواء كان من علم المُحَدَّثين والملْهَمِين، أو من علم أرباب النظر والقياس، الذين لا يعتصمون مع ذلك بكتاب منزل من السماء، ولهذا قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح:"إنه في الأمم قبلكم مُحَدَّثون، فإن يكن في أمتي أحدٌ فعمرُ"، فعَلَّقَ ذلك تعليقًا في أمته، مع جزمه به فيمن تقدم؛ لأن الأمم قبلنا كانوا محتاجين إلى المحدَّثين، كما كانوا محتاجين إلى نبيٍّ بعد نبيٍّ، وأما أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فأغناهم الله برسولهم - صلى الله عليه وسلم - وكتابهم عن كل ما سواه، حتى إن المُحَدَّثَ منهم كعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إنما يؤخذ منه ما وافق الكتاب والسنة، وإذا حُدِّثَ شيئًا في قلبه لم يكن له أن يَقْبَله حتى يَعْرِضه على الكتاب والسنة، وكذلك لا يقبله إلا إن وافق الكتاب والسنة، وهذا باب واسع في فضائل القرآن على ما سواه. انتهى المقصود من كلام شيخ الإسلام - رَحِمَهُ اللهُ - (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، وبحثٌ أنيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب.
٤ - (ومنها): بيان إثبات المعجزات لكلّ الأنبياء السابقين حتى تهتديَ أممهم إلى تصديقهم، والإيمان بما جاءوا به، ولا يضرّهم من أصرّ بالمعاندة.
٥ - (ومنها): بيان انقراض معجزات الأنبياء السابقين، وأما معجزة نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - فباقية إلى قيام الساعة.
٦ - (ومنها): أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا" فيه عَلَمٌ من أعلام النبوة، فإنه أخبر - صلى الله عليه وسلم - بهذا في زمن قِلّة المسلمين، ثم مَنَّ الله تعالى، وفتح على المسلمين البلاد، وبارك فيهم، حتى انتهى الأمر، واتَّسع الإسلام في المسلمين إلى هذه الغاية المعروفة، ولله الحمد على هذه النعمة، وسائر نعمه التي لا تُحْصَى.
وقد جاء بيان هذه الكثرة التي أشار إليها في هذا الحديث، فيما أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في قبة، فقال:"أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ " قلنا: نعم، قال:"أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ " قلنا: نعم، قال: "أترضون أن تكونوا شطر أهل