في الباب الماضي، في النهي عن أن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى، وهو مُستلقٍ على ظهره؟.
[قلت]: وجه الجمع بينهما أن وضع إحدى الرجلين على الأخرى يكون على نوعين: أن تكون رجلاه ممدودتين، إحداهما فوق الأخرى، ولا بأس بهذا، فإنه لا تنكشف العورة بهذه الهيئة، وأن يكون ناصبًا ساق إحدى الرجلين، ويضع الرجل الأخرى على الركبة المنصوبة، وعلى هذا فإن لم يكن انكشاف العورة بأن يكون عليه سراويل، أو يكون إزاره، أو ذيله طويلين جاز، وإلا فلا.
وقال الخطابيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه أن النهي الوارد عن ذلك منسوخ، أو يُحمل النهي حيث يُخْشَى أن تبدو العورة، والجواز حيث يُؤْمَن ذلك.
قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: الثاني أَولى من ادّعاء النسخ؛ لأنه لا يثبت بالاحتمال.
وممن جزم به البيهقيّ، والبغويّ، وغيرهما، من المحدِّثين، وجزم ابن بطال، ومن تبعه: بأنه منسوخ.
وقال المازريّ: إنما بَوَّب (١) على ذلك؛ لأنه وقع في كتاب أبي داود وغيره لا في الكتب الصحاح النهي عن أن يضع إحدى رجليه على الأخرى، لكنه عامّ؛ لأنه قولٌ يتناول الجميع، واستلقاؤه في المسجد فعل قد يُدَّعَى قَصْره عليه، فلا يؤخذ منه الجواز، لكن لَمّا صَحّ أن عمر، وعثمان كانا يفعلان ذلك دلّ على أنه ليس خاصًّا به - صلى الله عليه وسلم -، بل هو جائز مطلقًا، فإذا تقرر هذا صار بين الحديثين تعارضٌ، فيُجمع بينهما، فذكَر نحو ما ذكره الخطابيّ.
قال الحافظ: وفي قوله عن حديث النهي: "ليس في الكتب الصحاح" إغفالٌ، فإن الحديث عند مسلم في "اللباس"، من حديث جابر.
قال: وفي قوله: "فلا يؤخذ منه الجواز" نظرٌ؛ لأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، والظاهر أن فِعْله - صلى الله عليه وسلم - كان لبيان الجواز، وكان ذلك في وقت الاستراحة، لا عند مجتمَع الناس؛ لِمَا عُرِف من عادته من الجلوس بينهم بالوقار التامّ - صلى الله عليه وسلم -.
(١) يعني: البخاريّ حيث قال: "باب الاستلقاء في المسجد، ومدّ الرجل".