للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بسبب بقاء المعجزة التي أوتيها، وهي القرآن العظيم الذي أوحاه إليه العليم الحكيم في جميع الأعصار والأمصار، فصار في كلّ عصر ومصر جمّ غفير يهتدون به، ويؤمنون به، قال - عَزَّ وَجَلَّ -: {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: ٧٣].

٨ - (ومنها): أن القرآن معجزة تحدّى بها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - العرب، فعجزوا عن الإتيان بمثله، بل لو اجتمع الإنس والجنّ لا يأتون بمثله، كما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)} [الإسراء: ٨٨]، قال ابن تيميّة - رَحِمَهُ اللهُ -: وهذا التحدّي والتعجيز ثابتٌ في لفظه، ونظمه، ومعناه. انتهى (١).

٩ - (ومنها): أن الإمام البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - أورده في "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة" من "صحيحه" بعد حديث: "بُعِثتُ بجوامع الكلم"، فقيل: يؤخذ من صنيعه هذا أن الراجح عنده أن المراد بجوامع الكلم القرآن، قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: وليس ذلك بلازم، فإن دخول القرآن في قوله: "بُعثت بجوامع الكلم" لا شك فيه، وإنما النزاع هل يدخل غيره من كلامه من غير القرآن؟.

وقد ذكروا من أمثلة جوامع الكلام في القرآن قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)} [البقرة: ١٧٩]، وقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٥٢)} [النور: ٥٢].

ومن أمثلة جوامع الكلم من الأحاديث النبوية حديث عائشة - رضي الله عنها -: "كلُّ عمل ليس عليه أمرنا فهو ردّ"، وحديث: "كل شرط ليس في كتاب الله، فهو باطل"، متفق عليهما، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "وإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم" متّفق عليه، وحديث المقدام - رضي الله عنه -: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه … " الحديث، أخرجه الأربعة، وصححه ابن حبان، والحاكم، وغير ذلك مما يكثر بالتتبع.

قال: وإنما يُسَلَّم ذلك فيما لم تتصرف الرواة في ألفاظه، والطريق إلى معرفة ذلك أن تَقِلّ مخارج الحديث، وتتفق ألفاظه، وإلا فإن مخارج الحديث


(١) راجع: "مجموع الفتاوى" ٣٣/ ٤٢ - ٤٣.