للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إذا كثرت قَلَّ أن تتفق ألفاظه؛ لتوارد أكثر الرواة على الاقتصار على الرواية بالمعنى، بحسب ما يظهر لأحدهم أنه وافٍ به، والحامل لأكثرهم على ذلك أنهم كانوا لا يكتبون، ويطول الزمان، فيتعلق المعنى بالذهن، فيرتسم فيه، ولا يستحضر اللفظ، فيحدث بالمعنى؛ لمصلحة التبليغ، ثم يظهر من سياق ما هو أحفظ منه إنه لم يُوفِ بالمعنى. انتهى (١).

١٠ - (ومنها): ما قاله القاضي عياضّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ووجه آخر - أي: من الأوجه التي ذُكرت في توجيه الحديث - على أحد المذهبين في القول بالصّرفة، وأن المعارضة كانت من جنس قوّة البشر، لكنهم لم يقدروا عليها على أحد قولي الأشعريّ، وصُرِفوا عنها، أو من قدرة البشر، فمُنعوا منها، على قول المعتزلة، فعدولهم عن المعارضة لأحد الوجهين المتقدّمين، ورضاهم بالقتل والجَلاء، ونكولهم عن ذلك، وهو من مقدورهم، أو من جنس مقدورهم أبين في الدلالة من غيرها، من الأمور التي تَختلج في الظنون الكاذبة، ويُموّه فيها المُلْحِد بالشُّبَه المخيَّلة؛ إذ العجز عن المقدور أوقع في النفوس، وأوضح في الدلالة من إبداء الغريب، والمجيء بما لم يُعهَد عند هؤلاء، وإليه نحا أبو المعالي الجُوينيّ في بعض كتبه. انتهى كلام القاضي - رَحِمَهُ اللهُ - (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: القول بالصرفة، وإن رجحه القاضي هنا، وكذا في كتابه "الشفا" (٣)، إلا أنه قول مرجوح قد أبطله المحقّقون (٤)، وسيأتي تمام البحث فيه قريبًا - إن شاء الله تعالى - والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): قد جَمَع بعضهم إعجاز القرآن في أربعة أشياء:

[أحدها]: حُسْنُ تأليفه، والتئام كلمه مع الإيجاز والبلاغة.

[ثانيها]: صورة سياقه، وأسلوبه المخالف لأساليب كلام أهل البلاغة من العرب نظمًا ونثرًا، حتى حارت فيه عقولهم، ولم يهتدوا إلى الإتيان بشيء


(١) "الفتح" ١٣/ ٢٦٢ "كتاب الاعتصام" رقم (٧٢٧٤).
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ٦٠٤.
(٣) راجع: "الشفا" ١/ ٢٦٧.
(٤) راجع ما كتبه محقق: "إكمال الإكمال" ١/ ٦٥٣.