مثله، مع توفر دواعيهم على تحصيل ذلك، وتقريعه لهم على العجز عنه.
[ثالثها]: ما اشتَمَل عليه من الإخبار عما مَضَى من أحوال الأمم السالفة، والشرائع الداثرة، مما كان لا يَعْلَم منه بعضه إلا النادرُ من أهل الكتاب.
[رابعها]: الإخبار بما سيأتي من الكوائن التي وقع بعضها في العصر النبويّ، وبعضها بعده، ومن غير هذه الأربعة آياتٌ وردت بتعجيز قوم في قضايا أنهم لا يفعلونها، فعجزوا عنها مع توفر دواعيهم على تكذيبه؛ كتمنّي اليهود الموت.
ومنها: الروعة التي تَحصُل لسماعه.
ومنها: أن قارئه لا يَمَلّ من ترداده، وسامعه لا يَمُجّه، ولا يزداد بكثرة التكرار إلا طَرَاوةً ولذاذةً.
ومنها: أنه آية باقية لا تُعْدَم ما بقيت الدنيا.
ومنها: جمعه لعلوم ومعارف، لا تنقضي عجائبها، ولا تنتهي فوائدها.
انتهى مُلَخَّصًا من كلام عياض وغيره (١).
وقال الحافظ ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ - في تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣)} [البقرة: ٢٣]:
ثم شرع تعالى في تقرير النبوة، بعد أن قَرَّر أنه لا إله إلا هو، فقال مخاطبًا للكافرين:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} يعني: محمدًا - صلى الله عليه وسلم - {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} من مثل ما جاء به، إن زعمتم أنه من عند غير الله، فعارضوه بمثل ما جاء به، واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون الله، فإنكم لا تستطيعون ذلك، قال ابن عباس:{شُهَدَاءَكُمْ} أعوانكم، وقال السُّدّيّ، عن أبي مالك: شركاءكم؛ أي: قومًا آخرين، يساعدونكم على ذلك، أي: استعينوا بآلهتكم في ذلك، يُمِدّونكم، وينصرونكم، وقال مجاهد:{وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} قال: ناس يشهدون به، يعني: حكام الفصحاء، وقد تحداهم الله تعالى بهذا