للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في غير موضع من القرآن، فقال في "سورة القصص": {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٩)} [القصص: ٤٩]، وقال في "سورة سبحان": {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)} [الإسراء: ٨٨]، وقال في "سورة هود": {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣)} [هود: ١٣]، وقال في "سورة يونس": {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨)} [يونس: ٣٧ - ٣٨].

وكلُّ هذه الآيات مكية، ثم تحداهم بذلك أيضًا في المدينة، فقال في هذه الآية (١): {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} [البقرة: ٢٣] أي: شك {مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: ٢٣] يعني: محمدًا - صلى الله عليه وسلم - {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣)} [البقرة: ٢٣] يعني: من مثل القرآن، قاله مجاهد، وقتادة، واختاره ابن جرير الطبريّ، والزمخشريّ، والرازيّ، ونقله عن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، والحسن البصريّ، وأكثر المحققين، ورجح ذلك بوجوه، من أحسنها أنه تحدّاهم كلَّهم متفرقين ومجتمعين، سواء في ذلك أمّيّهم وكتابيّهم، وذلك أكمل في التحدّي، وأشمل من أن يَتَحَدَّى آحادهم الأمّيين، ممن لا يَكْتُب، ولا يعاني شيئًا من العلوم، وبدليل قوله تعالى: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} [هود: ١٣]، وقوله: {لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: ٨٨].

وقال بعضهم: من مثل محمد - صلى الله عليه وسلم -، يعني: من رجل أميٍّ مثلِهِ.

والصحيح الأول؛ لأن التحدِّي عامٌّ لهم كلهم مع أنهم أفصح الأمم، وقد تحدّاهم بهذا في مكة والمدينة مرّات عديدة، مع شدة عداوتهم له، وبغضهم لدينه، ومع هذا عَجَزُوا عن ذلك، ولهذا قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: ٢٤]، و"لن" لنفي التأبيد في المستقبل، أي: ولن تفعلوا أبدًا، وهذه أيضًا معجزة أخرى، وهو أنه أخبر خبرًا جازمًا قاطعًا غير خائف، ولا مُشْفِق أن هذا القرآن لا يعارَض بمثله أبد الآبدين، ودهر الداهرين، وكذلك وَقَع الأمر لم


(١) يعني في آية البقرة المذكورة أول الكلام.