للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُعارَض من لدنه إلى زمننا هذا، ولا يُمْكِن، وأنَّى يتأتى ذلك لأحد، والقرآن كلام الله، خالق كلِّ شيء، وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين؟!.

قال: ومن تدبر القرآن وَجَد فيه من وجوه الإعجاز فنونًا ظاهرةً، وخَفِيّةً، من حيث اللفظ، ومن جهة المعنى، قال الله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١)} [هود: ١]، فأُحكمت ألفاظه، وفُصّلت معانيه، أو بالعكس على الخلاف، فكل من لفظه ومعناه فصيحٌ، لا يُحَاذَى، ولا يُدَانَى، فقد أَخْبَرَ عن مغيباتٍ ماضيةٍ، ووقعت طِبْقَ ما أَخبر سواءً بسواء، وأَمَرَ بكل خير، ونَهَى عن كل شرّ، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: ١١٥]؛ أي: صدقًا في الإخبار، وعدلًا في الأحكام، فكلُّهُ حقٌّ وصدقٌ وعدلٌ وهُدًى، ليس فيه مجازفةٌ، ولا كذب، ولا افتراء، كما يوجد في أشعار العرب وغيرهم، من الأكاذيب والمجازفات، التي لا يحسن شعرهم إلا بها، كما قيل في الشعر: إن أعذبه أكذبه.

وتَجِد القصيدة الطويلة المديدة، قد استُعْمِل غالبها في وصف النساء، أو الخيل، أو الخمر، أو في مدح شخص معين، أو فرس، أو ناقة، أو حرب، أو كائنة، أو مخافة، أو سبع، أو شيء من المشاهدات المتعينة، التي لا تفيد شيئًا إلا قدرة المتكلم المعين على الشيء الخفي، أو الدقيق، أو إبرازه إلى الشيء الواضح، ثم تجد له فيه بيتًا أو بيتين، أو أكثر هي بيوت القصيد، وسائرها هَذرٌ لا طائل تحته.

وأما القرآن فجميعه فصيحٌ، في غاية نهايات البلاغة عند من يعرف ذلك تفصيلًا وإجمالًا، ممن فَهِمَ كلام العرب، فإنه إن تأملت أخباره وجدتها في غاية الحلاوة، سواء كانت مبسوطة، أو وجيزةً، وسواء تكررت أم لا، وكلما تكررت حَلا وعَلا، لا يَخْلُقُ عن كثرة الردّ، ولا يَمَلُّ منه العلماء، وإن أَخَذَ في الوعيد والتهديد، جاء منه ما تَقْشَعِرُّ منه الجبال الصُّمّ الراسيات، فما ظنّك بالقلوب الفاهمات؟ وإن وَعَدَ أتى بما يَفتح القلوب والآذان، ويسوق إلى دار السلام، ومجاورة عرش الرحمن، كما قال في الترغيب: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)} [السجدة: ١٧]، وقال: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٧١)} [الزخرف: ٧١]، وقال في الترهيب: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا