للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الناس، وبه تحصل المشابهة بالنصارى، فإنَّهم يستعملون النواقيس في سفرهم، وحضرهم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: بل هي مكروهة في الحضر أيضًا فيه نظر؛ لأن كونه في السفر واضح، وعلّته واضحة كما سبق، وأما استعماله في الحضر للحاجة فالظاهر أنه جائز، وليس الاستدلال بحديث: "الجرس مزامير الشيطان" واضحًا؛ لأن ذلك ثبت عن أبي بكر - رضي الله عنه - عندما دخل في بيت عائشة - رضي الله عنها - يوم العيد وفيه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وجاريتان تُدفّفان، وتغنيان، وفي لفظ: تغنّيان بدفّ، فقال: "أمزامير الشيطان في بيت رسول الله - صلي الله عليه وسلم -؟، فأنكر عليهما، فردّ عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "يا أبا بكر: إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا"، متّفقٌ عليه، والشاهد أنه - صلى الله عليه وسلم - أقرّ أبا بكر في قوله: "مزامير الشيطان"، إلا أنه بيّن له أن استعماله للحاجة جائز، وإنما يُمنع إذا كان لمجرّد اللهو واللعب، فليُتنبّه.

قال صاحب "التكملة" - رحمه الله -: قال محمد - يعني: ابن الحسن - رحمه الله - في كتابه "السّيَر الكبير": إنما يُكره اتخاذ الجرس للغزاة في دار الحرب، وهو المذهب عند علمائنا؛ لأن تعليق الجرس للغزاة على الدوابّ إنما يُكره في دار الحرب؛ لأن العدوّ يشعر بمكان المسلمين، فعلى هذا قالوا: إذا كان الركب في المفازة في دار الإسلام يخافون من اللصوص يُكره لهم تعليق الجرس على الدوابّ أيضًا حتى لا يشعر بهم اللصوص، قال محمد - رحمه الله -: فأما ما كان في دار الإسلام فيه منفعة لصاحب الراحلة، فلا بأس به. انتهى باختصار (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: إن المنع في السفر مطلقًا هو الحقّ؛ عملًا بظاهر النصّ المذكور في الباب، وأما في الحضر، فإن كان لمجرّد اللهو واللعب، فيُمنع؛ لِمَا أخرجه أحمد، والأربعة (٣)، وصححه ابن خزيمة، والحاكم، من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - رفعه: "كُلُّ ما يلهو به المرء المسلم باطلٌ، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهنّ من الحقّ"، وأما


(١) "المفهم" ٥/ ٤٣٤ - ٤٣٥.
(٢) راجع: "تكملة فتح الملهم" ٤/ ١٧٩.
(٣) قال الترمذيّ: حديث حسنٌ صحيح.