بل ما كان دينًا في وقته فهو الدين إلى يوم القيامة، وما ليس دينًا في ذلك الوقت، فليس بدين أبدًا.
والحاصل أن مذهب السلف، وهو إثبات الصفات التي جاءت في نصّ كتاب الله - عَزَّ وَجَلَّ -، والسنة الصحيحة، كاليد في هذا الحديث، والوجه، والقدم، والعين، والضحك، والفرح، والعجب، وغير ذلك، كما أثبتها الله تعالى لنفسه، وأثبتها له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، على الوجه الذي يليق بجلاله، هو الحقّ الذي لا مرية فيه، وما عداه مما اقتحمه الخلف، وتعسّفوا فيه، فهو مذهب باطل، فتمسّك بهدي السلف، تنجُ من التلف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(لَا يَسْمَعُ بِي) قال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: الباء يُحتمل أن تكون زائدة؛ أي: لا يسمعني، فقد جاء: سمعتك، وسمعت فلانًا، ويحتمل أن تكون بمعنى "من" يقال: سمعتُ من فلان، فتكون الباء كما في قوله تعالى:{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ}[الإنسان: ٦]، قال المظهر: وفيه نظرٌ؛ لأن المعنى لا يساعد عليه، فإنّ سمعني، وسمع مني يقتضيان كلامًا وقولًا، من جانب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وليس المعنى عليه، قال: والأظهر أن يضمّن "يسمع" معنى "يُخْبَرُ"، فيتعدّى بالباء، كقوله تعالى:{مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ}[المؤمنون: ٢٤]، أي: ما أُخْبِرنا سماعًا، وهو آكد؛ لأن الإخبار أعمّ من أن يكون سماعًا، أو غير سماع، فالمعنى: ما أُخبِر أحد برسالتي، أو ببعثتي، ولم يؤمن إلا كان من أصحاب النار. انتهى (١).
وقوله:"بي" فيه التفات من الغيبة إلى التكلّم؛ إذ الظاهر أن يقول:"به"، وهذا مما لا خلاف فيه بين السكّاكيّ وغيره.
وقوله:(أَحَدٌ) بالرفع على الفاعليّة بـ "يسمع"، قال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "أحدٌ" إذا استُعمل في النفي يكون لاستغراق جنس العقلاء، ويتناول القليل والكثير، والذكر والأنثى، كما في قوله تعالى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧)} [الحاقة: ٤٧]، وقوله:{لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ}[الأحزاب: ٣٢]، وتقول: