والثاني: أنَّا وإن سلَّمنا ذلك لكن إنما خَصَّص العبد بالذِّكر؛ لأن هذه الأسماء إنما كانت في غالب الأمر أسماء لعبيدهم، فخرج النهي على الغالب.
والجواب عن الثاني: أن قوله: "فلا تزيدن عليّ"، إنما هو من قول سمرة بن جندب - رضي الله عنه -، وإنما قال ذلك ليحقق أن الذي سمعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنما هي الأربع، لا زيادة عليها؛ تحقيقًا لِمَا سمع، ونفيًا لأن يقول ما لم يقل.
ولئن سُلِّم أن ذلك من قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فليس معناه المنع من القياس، بل عن أن يقول اسمًا لم يقله، فإنَّ الفرع ملحق بأصله في الحكم، لا في القول.
وبيانه: إنَّا وإن ألحقنا الزبيب بالتمر في تحريم الربا، فلا نقول: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الربا في الزبيب حرام، فإنَّه قول كاذب، ولو كان ذلك صادقًا لكان الزبيب منطوقًا به، فحينئذ لا يكون فرعًا، بل أصلًا.
وقد اجترأت طائفة عراقية على إطلاق ذلك، ونعوذ بالله مما أُطلق هنالك.
وعلى ما قررناه فلا يكون بين حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه -، ولا بين حديث جابر - رضي الله عنه - معارضة، فلا يكون بينهما نَسخ، خلافًا لمن زعمه، وقال: إن حديث جابر ناسخ لحديث سمرة، وما ذكرناه أوَلى، والله تعالى أعلم.
فإن قيل: بل المصير إلى النَّسخ أَولى؛ لأنَّ حديث سمرة - وإن حُمل على الكراهة - فحديث جابر يقتضي الإباحة المطلقة؛ لأنَّه لمّا سكت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن النهي عن ذلك إلى حين موته، وكذلك عمر - رضي الله عنه - مع حصول ذلك في الوجود كثيرًا، فقد كان للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - غلام اسمه رَبَاح، ومولى اسمه: يسار، وقد سَمَّى ابن عمر مولاه: نافعًا، ومثله كثير، فقد استمرّ العمل على حديث جابر، فإذًا هو متأخر، فيكون ناسخًا.
فالجواب: إن هذا التقدير يلزم منه أن لا يَصْدُق قول جابر - رضي الله عنه -: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أراد أن ينهى عن ذلك، فإنَّه قد وُجد النهي، ولا بدَّ، وهو صادق، فلا بدَّ من تأويل لفظه، وما ذكرناه أَولى.
وما ذُكر من تسمية موالي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وغيرهِ بتلك الأسماء فصحيح؛ لأنَّ ذلك جائز، وغايته أن فيه ترك الأوْلَى، فكم من أَولى قد سَوَّغت الشريعة تَرْكه،