للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقُبضَ) بالبناء للمفعول؛ أي: مات (الصَّبِيُّ) وفي رواية للبخاريّ: "فلمّا رأت امرأَته أنه قد مات هيّأت شيئًا، ونَحّته في جانب البيت"، قال الكرمانيّ رحمه الله: قوله: "هيّأت شيئًا"؛ أي: أعدّت طعامًا لأبي طلحة، وأصلحته، وقيل: هيأت حالها، وتزينت، قال الحافظ: بل الصواب أن المراد أنها هيأت أمر الصبيّ، بأن غسلته، وكفّنته، كما ورد في بعض طرقه صريحًا، ففي رواية أبو داود الطيالسيّ عن مشايخه، عن ثابت: "فهيأت الصبيّ"، وفي رواية حُميد، عند ابن سعد: "فتُوُفّي الغلام، فهيأت أم سليم أمره"، وفي رواية عُمارة بن زاذان، عن ثابت: "فهلك الصبيّ، فقامت أم سليم، فغسلته، وكفنته، وحنّطته، وسَجَّت عليه ثوبًا".

وقوله: "ونحّته في جانب البيت"؛ أي: جعلته في جانب البيت، وفي رواية جعفر، عن ثابت: "فجعلته في مِخْدَعها" (١).

(فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي؟) وفي رواية البخاريّ: "كيف الغلام؟ " (قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هُوَ أَسْكَنُ مِمَّا كَانَ) قال القرطبيّ رحمه الله: هذا من المعاريض المغنية عن الكذب؛ فإنَّها أوهمته أن الصبيّ سكن ما كان به، بلفظٍ يصلح إطلاقه لِمَا عندها من موته، ولمَا فهمه أبو طلحة، من سكون مرضه، وهذا كله لئلا تفاجئه بالإعلام بالمصيبة، فيتنغَّص عليه عيشه، ويتكدَّر عليه وقته، فلما حصلت راحته من تعبه، وطاب عيشه بإصابة لذَّته التي ارتجت بسببها أن يكون لهما عِوَض، وخَلَفٌ مما فاته عرَّفته بذلك، فبلَّغها الله أمنيَّتها، وأصلح ذريَّتها. انتهى (٢).

وفي رواية البخاريّ: "قال: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظنّ أبو طلحة أنها صادقةٌ"، وقولها: "وأرجو".

وقولها: "هدأت" بالهمز؛ أي: سكنت، و"نفسه" بسكون الفاء، والمعنى: أن النفس كانت قَلِقَةً مُنزعجةً بعارض المرض، فسكنت بالموت، وظن أبو طلحة أن مرادها أنها سكنت بالنوم؛ لوجود العافية، وفي رواية أبي


(١) "الفتح" ٤/ ٥٧ - ٥٨، كتاب "الجنائز" رقم (١٣٠١).
(٢) "المفهم" ٥/ ٤٦٧.