للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحديث، واستنباط فوائده ما يَحْصُل به التمييز بين أهل الفهم في النقل، وغيرهم، ممن لا يهتدي لتحصيل ذلك، مع أن العين المستنبَط منها واحدة، ولكن من عجائب اللطيف الخبير أنها تُسْقَى بماء واحد، ونفضّل بعضها على بعض في الأكل. هذا آخر كلامه ملخصًا.

قال: وقد سبق إلى التنبيه على فوائد قصة أبي عمير بخصوصها من القدماء أبو حاتم الرازيّ، أحد أئمة الحديث، وشيوخ أصحاب "السنن"، ثم تلاه الترمذيّ في "الشمائل"، ثم تلاه الخطابيّ، وجميع ما ذكروه يقرُب من عشرة فوائد فقط.

قال: وقد ساق شيخنا -يعني: الحافظ العراقيّ- في "شرح الترمذيّ" ما ذكره ابن القاصّ بتمامه، ثم قال: ومن هذه الأوجه ما هو واضح، ومنها الخفيّ، ومنها المتعسَّف، قال: والفوائد التي ذكرها آخرًا، وأكمل بها الستين هي من فائدة جَمْع طرق الحديث، لا من خصوص هذا الحديث.

٢٠ - (ومنها): أنه قد بقي من فوائد هذا الحديث أن بعض المالكية، والخطابيّ من الشافعية استدلُّوا به على أن صيد المدينة لا يحرم.

وتُعُقّب باحتمال ما قاله ابن القاصّ: أنه صِيد في الحلّ، ثم أُدخل الحرم، فلذلك أبيح إمساكه، وبهذا أجاب مالك في "المدونة"، ونقله ابن المنذر عن أحمد، والكوفيين، ولا يلزم منه أن حرم المدينة لا يحرم صيده، وأجاب ابن التين بأن ذلك كان قبل تحريم صيد حرم المدينة، وعَكَسه بعض الحنفية، فقال: قصة أبي عمير تدلّ على نَسخ الخبر الدال على تحريم صيد المدينة، وكلا القولين متعَقَّب.

وما أجاب به ابن القاصّ من مخاطبة من لا يميِّز: التحقيقُ فيه جواز مواجهته بالخطاب، إذا فَهِمَ الخطاب، وكان في ذلك فائدة، ولو بالتأنيس له، وكذا في تعليمه الحكم الشرعيّ عند قَصْد تمرينه عليه من الصِّغر، كما في قصّة الحسن بن عليّ لَمّا وَضَع التمرة في فيه، قال له -صلى الله عليه وسلم-: "كِخْ كِخْ، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟ "، كما تقدَّم بَسْطُه في موضعه، ويجوز أيضًا مطلقًا، إذا كان القصد بذلك خطاب من حضر، أو استفهامه ممن يعقل، وكثيرًا ما يقال للصغير الذي لا يفهم أصلًا، إذا كان ظاهر الْوَعْك: كيف أنت؟ والمراد سؤال كافله، أو حامله.