حالة الضرورة، وينبغي لمن يفتح الهاتف على غيره، ويريد أن يطيل كلامه أن يستأذن قبل الشروع في كلامه؛ لأن المخاطَب ربّما يكون في شغل، وإنما يرفع السماع أثناء شغله، فلو أطال الآخر كلامه تأذّى بذلك، وتشوّش ذهنه، وإن الأصل في مشروعيّة الاستئذان أن يجتنب الشخص إيذاء الآخر، والدخول في خلوته، وهذه الآداب التي أكدها الشرع صارت الآن مهملة عند كثير من الناس، فلا يعتبرونها من الدِّين، مع أنَّها من الأمور المهمة فيه، والله تعالى أعلم.
(فَقَالَ عُمَرُ) -رضي الله عنه-: (أَقِمْ عَلَيْهِ)؛ أي: على ما ادعيت أنه سمعته منه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (الْبَيِّنَةَ، وَإِلَّا أَوْجَعْتُكَ)؛ أي: ضربًا، وفي رواية بكير بن الأشجّ:"فوالله لأُوجعنّ ظهرك، وبطنك، أو لتأتيني بمن يشهد لك على هذا"، وفي رواية عبيد بن عمير:"لتأتيني على ذلك بالبينة"، وفي رواية أبي نضرة:"وإلَّا جعلتك عِظَةً".
(فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ) -رضي الله عنه-؛ أي: بعد أن سأل أبو موسى من يشهد له، ففي رواية البخاريّ:"أمنكم أحد سمعه من النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال أُبيّ بن كعب: والله لا يقوم معك إلَّا أصغر القوم"، وفي رواية عبيد بن عمير:"فانطلق إلى مجلس الأنصار، فسألهم"، وفي رواية أبي نضرة الآتية:"فقال: ألم تعلموا أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الاستئذان ثلاث"؟، قال: فجعلوا يضحكون، فقلت: أتاكم أخوكم، وقد أُفزع، فتضحكون؟ ". (لَا يَقُومُ مَعَهُ)؛ أي: مع أبي موسي، (إِلَّا أَصْغَرُ الْقَوْمِ) وفي رواية بكير بن الأشج: "فوالله لا يقوم معك إلَّا أحدثنا سنًّا، قم يا أبا سعيد"، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: معنى كلام أُبيّ -رضي الله عنه- هذا أن هذا الحديث مشهورٌ بيننا، معروف لكبارنا وصغارنا، حتى إن أصغرنا يحفظه، وسمعه من رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (١).
(قَالَ أَبُو سَعِيدٍ) الخدريّ: (قُلْتُ: أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ) وفي رواية البخاريّ: "فكنت أصغر القوم، فقمت معه، فأخبرت عمر أن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله. (قَالَ) أُبيّ (فَاذْهَبْ بِهِ) حتى تشهد له، وفي رواية البخاريّ: "فأخبرت عمر أن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-