للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} الآية [الأعراف: ١٥٧]، فإذا كفروا به استوجبوا من العذاب ضعف عذاب الناس، والعكس إذا آمنوا، فدلّ على هذا المعنى هذا الحديثُ، وعلى استحقاق ضعف العذاب قوله في الحديث السابق: "إلا كان من أصحاب النار"؛ لأنه في قوّة أنه من الجهنّميين، فهو من أسلوب قولك: فلان من العلماء؛ أي: له مساهمة معهم في العلم، وأن الوصف كاللقب المشهور له، أفاده الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

(ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ لِلْخُرَاسَانِيِّ) السائل له (خُذْ هَذَا الْحَدِيثَ بِغَيْرِ شَيءٍ) أي: عوض من الأمور الدنيوية، وإلا فالأجر الأخرويّ حاصل له، ما أخلص نيّته في نشر العلم (فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ) بالبناء للمفعول، يقال: رَحَل عن البلد، من باب مَنَعَ رَحِيلًا: إذا انتقل منها، ويتعدّى بالتضعيف، فيقال: رَحّلته (٢). (فِيمَا دُونَ هَذَا) أي: في أقلّ مما سألته، فالإشارة إلى المسؤول، وفي رواية للبخاريّ: "يُرْكَب فيما دونها"، أي: يُرْحَل لأجل ما هو أهون منها، والضمير عائد على المسألة (إِلَى الْمَدِينَةِ) أي: النبوية؛ إذ هي عَلَم بالغلبة عليها، كما قال في "الخلاصة":

وَقَدْ يَصِيرُ عَلَمًا بِالغَلَبَهْ … مُضَافٌ أوْ مَصْحُوبُ "أَلْ" كَـ "العَقَبَهْ"

وكان ذلك في زمن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والخلفاء الراشدين، ثم تفرَّق الصحابة في البلاد، بعد فتوح الأمصار، وسكنوها، فاكتفى أهلُ كل بلد بعلمائه، إلا من طلب التوسع في العلم، فرحَلَ فيه.

قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: واستدلال ابن بطال وغيره من المالكية، على تخصيص العلم بالمدينة، فيه نظرٌ؛ لِمَا قررناه، وإنما قال الشعبي ذلك تحريضًا للسامع؛ ليكون ذلك أَدْعَى لحفظه، وأجلب لحرصه. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) راجع: "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٤٥١.
(٢) راجع: "القاموس" ص ٩٠٥، و"المصباح المنير" ١/ ٢٢٢.