للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أُبَيّ، وابن عباس: "تستأذنوا، وتسلِّموا على أهلها". انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهَ-: الاستئذان لا بد أن يكون ثلاثًا، فإذا لَمْ يؤذن له بعد الثلاث، فهل يزيد عليها أو لا؟ قولان لأصحابنا، الأَولى أن لا يزيد؛ لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك، وإلا فارجع"، وهذا نصٌّ.

قال: إنَّما خَصَّ الثلاث بالذكر؛ لأنَّ الغالب أن الكلام إذا كُرر ثلاثًا سُمِعَ وفُهِم، ولذلك كان النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا تكلَّم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تُفْهَم عنه، وإذا سلَّم على قومٍ سلَّم عليهم ثلاثًا، وإذا كان الغالبُ هذا، فإذا لَمْ يؤذَن له بعد ثلاث ظهر أن ربَّ المنزل لا يريد الإذن، أو لعله يمنعه من الجواب عذر لا يمكنه قطعه، فينبغي للمستأذِن أن ينصرف؛ لأنَّ الزيادة على ذلك قد تُقْلِق ربَّ المنزل، وربما يضرُّه الإلحاح حتى ينقطع عما كان مشتغلًا به، كما قال النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي أيوب -رضي الله عنه- (٢) حين استأذن عليه، فخرج مستعجلًا، فقال: "لعلنا أعجلناك". انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٣)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: أجمع العلماء أن الاستئذان مشروعٌ، وتظاهرت به دلائل القرآن، والسُّنَّة، وإجماع الأمة، والسُّنَّة أن يُسَلِّم، ويستأذن ثلاثًا، فيجمع بين السلام والاستئذان، كما صُرِّح به في القرآن، واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام، ثم الاستئذان، أو تقديم الاستئذان، ثم السلام؟ والصحيح الذي جاءت به السُّنَّة، وقاله المحققون أنه يُقَدِّم السلامَ، فيقول: السلام عليكم، أأدخل؟ والثاني يُقَدِّم الاستئذان، والثالث -وهو اختيار الماورديّ من الشافعيّة- إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قَدَّم السلام، وإلا قَدَّم الاستئذان، وصحّ عن النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثان في تقديم السلام. أما إذا أستأذن ثلاثًا، فلم يؤذن له، وظَنَّ أنه لَمْ يسمعه، ففيه ثلاثة مذاهب: أشهرها أنه ينصرف، ولا يعيد الاستئذان، والثاني: يزيد فيه، والثالث: إن كان بلفظ


(١) "التمهيد لابن عبد البرّ" ٣/ ١٩٦.
(٢) كذا وقع في "المفهم" أن أبا أيوب، والمشهور أنه عتبان بن مالك، وقيل: غيره.
(٣) "المفهم" ٥/ ٤٧٤ - ٤٧٥.