للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الاستئذان المتقدِّم لَمْ يُعِدْه، وإن كان بغيره أعاده، فمن قال بالأظهر فحجته قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الحديث: "فلم يؤذن له فليرجع"، ومن قال بالثاني حمل الحديث على من عَلِم، أو ظَنَّ أنه سمعه فلم يأذن. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.

وقال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وظاهر هذا الحديث يوجب أن لا يستأذن الإنسان أكثر من ثلاث، فإن أُذِن له، وإلا رجع، وهو قول أكثر العلماء، وإلى هذا ذهب ابن نافع، وقال غيره: إن لَمْ يُسْمَع فلا بأس أن يزيد، والاستئذان أن يقول: السلام عليكم، آدخل؟ وقال بعضهم: المرة الأولى من الاستئذان استئذان، والمرة الثانية مشورة، هل يؤذن له في الدخول أم لا؟ والثالثة علامة الرجوع، ولا يزيد على الثلاث. انتهى (٢).

٢ - (ومنها): قبول أخبار الآحاد، ووجوب التثبُّت فيها، والبحث عن عدالة ناقليها؛ لأنَّ أبا موسى لمّا أخبر عمر -رضي الله عنهما- بأن أُبي بن كعب يشهد له قال: عَدْلٌ.

٣ - (ومنها): حماية الأئمة حوزة الرواية عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والإنكار على من تعاطاها إلَّا بعد ثبوت الأهليَّة وتحققها.

٤ - (ومنها): أن المستأذن حقَّه أن يبدأ بالسلام، ثم يذكر اسمه، وإن كانت له كنية يُعرف بها ذكرها، كما فعل أبو موسى -رضي الله عنه-، وكل ذلك ينبغي في تحصيل التعريف التام للمستأذَن عليه؛ فإنَّه إن أَشْكَل عليه اسم عرف آخر، قال القرطبيّ: قال بعض أصحابنا: هو بالخيار بين أن يُسمي نفسه أو لا، والأَولى ما فَعَله أبو موسي، فإنَّ فِعْله ذلك إن كان توقيفًا؛ فهو المطلوب، وإن لَمْ يكن توقيفًا؛ فبه يحصل التعريف الذي لأجله شُرع الاستئذان، ثم رأي الصحابيّ راوي الحديث أَولى من هذا القول الحديث. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٣)، وهو تعقّب وجيهٌ، والله تعالى أعلم.

٥ - (ومنها): ما قاله ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ-: فيه أن الرجل العالم الحبر قد


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٣٠ - ١٣١.
(٢) "التمهيد لابن عبد البرّ" ٢٤/ ٢٠٤.
(٣) "المفهم" ٥/ ٤٧٥.