للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يوجد عند من هو دونه في العلم ما ليس عنده من العلم، إذا كان طريق ذلك العلم السمع، وإذا جاز مثل هذا على عمر على موضعه في العلم، فما ظنك بغيره بعده؟ ورَوَى وكيع عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: لو أن علم عمر وُضع في كفّة، ووُضع علم أحياء الأرض في كفة أخرى لرجح علم عمر بعلمهم، قال الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: لا تعجب من هذا، فقد قال عبد الله: إني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب يوم ذهب عمر، وجاء عن حذيفة مثل قول عبد الله. انتهى (١).

٦ - (ومنها): أن في قول عمر -رضي الله عنه- الآتي: في رواية عُبيد بن عُمير: "خَفِي عليَّ هذا من أمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ألهاني عنه الصفق في الأسواق" اعترافٌ منه بجهل ما لَمْ يَعْلَم، وإنصافٌ صحيحٌ، وهكذا يجب على كلّ مؤمن أن يكون في هذا مثل عمر -رضي الله عنه- في التواضع، والاعتراف بحقيقة الأمر. انتهى (٢).

٧ - (ومنها): ما قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وقد تعلق بهذا الحديث من يقول: لا يُحتَجّ بخبر الواحد، وزعم أن عمر -رضي الله عنه- رَدَّ حديث أبي موسى هذا؛ لكونه خبر واحد، وهذا مذهب باطل، وقد أَجْمع من يُعْتَدّ به على الاحتجاج بخبر الواحد، ووجوب العمل به، ودلائله من فعل رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والخلفاء الراشدين، وسائر الصحابة، ومَن بعدهم أكثر من أن يُحْصَر، وأما قول عمر لأبي موسى: "أقم عليه البينة"، فليس معناه ردّ خبر الواحد من حيث هو خبر واحد، ولكن خاف عمر مسارعة الناس إلى القول على النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يقول عليه بعض المبتدعين، أو الكاذبين، أو المنافقين، ونحوهم ما لَمْ يقل، وأن كل من وقعت له قضيّة وضع فيها حديثًا على النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأراد سدّ الباب خوفًا من غير أبي موسي، لا شكًّا في رواية أبي موسي، فإنه عند عمر أجلّ من أن يَظُنّ به أن يُحَدِّث عن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما لَمْ يقل، بل أراد زجر غيره بطريقه، فإن من دون أبي موسى إذا رأى هذه القضيّة، أو بلغته، وكان في قلبه مرض، أو أراد


(١) "التمهيد لابن عبد البرّ" ٣/ ١٩٨.
(٢) "التمهيد لابن عبد البرّ" ٣/ ١٩٨ و ٢٠١.