وضع حديث خاف من مثل قضيّة أبي موسي، فامتنع من وضع الحديث، والمسارعة إلى الرواية بغير يقين.
ومما يدلّ على أنَّ عمر لَمْ يَرُدّ خبر أبى موسى لكونه خبر واحد، أنه طلب منه إخبار رجل آخر، حتى يعمل بالحديث، ومعلوم أن خبر الاثنين خبر واحد، وكذا ما زاد حتى يبلغ التواتر، فما لَمْ يبلغ التواتر فهو خبر واحد.
ومما يؤيده أيضًا ما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة من قضيّة أبي موسى هذه أن أُبَيًّا -رضي الله عنه- قال:"يا ابن الخطاب فلا تكوننّ عذابًا على أصحاب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: سبحان الله إنما سمعت شيئًا، فأحببت أن أتثبت"، والله أعلم. انتهى (١).
وقال أبو عمر -رَحِمَهُ اللهُ- في "التمهيد": زعم قوم أن في هذا الحديث دليلًا على أنَّ مذهب عمر أن لا يقبل خبر الواحد، وليس كما زعموا؛ لأنَّ عمر -رضي الله عنه- قد ثبت عنه استعمال خبر الواحد، وقبوله، وإيجاب الحكم به، أليس هو الذي ناشد الناس بمنى: مَن كان عنده علم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدية، فليخبرنا، وكان رأيه أن المرأة لا ترث من دية زوجها؛ لأنَّها ليست من عصبته الذين يعقلون عنه، فقام الضحاك بن سفيان الكلابيّ، فقال: كتب إليَّ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أُوَرِّث امرأة أشيم الضبابيّ من دية زوجها، وكذلك ناشد الناس في دية الجنين، مَن عنده فيه عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأخبره حَمَلُ بن مالك بن النابغة، أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى فيه بغرةٍ عبدٍ، أو أمةٍ، فقضى به عمر؟ ولا يشك ذو لُبّ ومن له أقلّ منزلة في العلم أن موضع أبي موسى من الإسلام، ومكانه من الفقه، والدِّين أجلّ من أن يَرُدّ خبره، ويقبل خبر الضحاك بن سفيان الكلابيّ، وحَمَلِ بن مالك الأعرابيّ، وكلاهما لا يقاس به في حال، وقد قال له عمر في حديث ربيعة هذا: أَمَا إني لَمْ أَتَّهِمك، ولكني خَشِيت أن يتقوَّل الناس على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فدَلّ على اجتهاد كان من عمر -رضي الله عنه- في ذلك الوقت لمعنى الله أعلم به.
وقد يَحْتَمِل أن يكون عمر -رضي الله عنه- كان عنده في ذلك الحين من لَمْ يصحب