رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أهل العراق، وأهل الشام؛ لأنَّ الله فتح عليه أرض فارس والروم، ودخل في الإسلام كثير ممن يجوز عليهم الكذب؛ لأنَّ الإيمان لَمْ يستحكم في قلوب جماعة منهم، وليس هذه صفة أصحاب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنَّ الله قد أخبر أنهم خير أمة أخرجت للناس، وأنهم أشدّاء على الكفار، رحماء بينهم، وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه، وإذا جاز الكذب، وأمكن في الداخلين إلى الإسلام، فيمكن أن يكون عمر مع احتياطه في الدين يخشى أن يختلقوا الكذب على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند الرهبة، والرغبة، أو طلبًا للحجة، وفرارًا إلى الملجأ والمخرج مما دخلوا فيه؛ لقلة علمهم بما في ذلك عليهم، فأراد عمر -رضي الله عنه- أن يُريهم أن مَن فعل شيئًا يُنْكَر عليه، ففزع إلى الخبر عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليثبت له بذلك فعله، وجب التثبت فيما جاء به، إذا لَمْ تُعْرَف حاله، حتى يصح قوله، فأراهم ذلك، ووافق أبا موسي، وإن كان عنده معروفًا بالعدالة، غير مُتَّهَمٍ؛ ليكون ذلك أصلًا عندهم، وللحاكم أن يجتهد بما أمكنه، إذا أراد به الخير، ولم يخرج عما أبيح له، والله أعلم بما أراد عمر بقوله ذلك لأبي موسي، وعلى هذا قول طاوس قال: كان الرجل إذا حَدَّث عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُخِذ حتى يجيء ببينة، وإلا عوقب؛ يعني: ممن ليس بمعروف بالعدالة، ولا مشهور بالعلم والثقة، ألا ترى إلى إجماع المسلمين أن العالم إذا حَدَّث عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكان مشهورًا بالعلم أُخِذ ذلك عنه، ولم يُنْكَر عليه، ولم يُحْتَجْ إلى بينة؟ ومن نحو قول طاوس هذا قول سعد بن إبراهيم -رَحِمَهُ اللهُ-: لا يحدّث عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا الثقات؛ أي: كلّ من إذا وُقِّف أحال على مخرج صحيح، وعِلْم ثابت، وكان مستورًا لَمْ تظهر منه كبيرة، وأما قول من قال: إن عمر لَمْ يَعْرف أبا موسي، فقولٌ خرج عن غير رَوِيَّة، ولا تدبّر، ومنزلةُ أبي موسى عند عمر مشهورة، وقد عَمِل له، وبعثه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عاملًا، وساعيًا على بعض الصدقات، وهذه منزلة رفيعة في الثقة، والأمانة. انتهى كلام أبي عمر -رَحِمَهُ اللهَ- (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
وقال في "الفتح": وليس في هذا الحديث ما ادّعاه، وتعلّق به من زعم