أن عمر كان لا يقبل خبر الواحد، ولا حجة فيه؛ لأنه قَبِل خبر أبي سعيد المطابق لحديث أبي موسي، ولا يخرج بذلك عن كونه خبر واحد.
قال: واستَدَلّ به مَن ادَّعَى أن خبر العدل بمفرده لا يُقبل حتى ينضم إليه غيره، كما في الشهادة، قال ابن بطال (١): وهو خطأ من قائله، وجهل بمذهب عمر، فقد جاء في بعض طرقه أن عمر قال لأبي موسى:"أما إني لَمْ أتهمك، ولكني أردت أن لا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"، وهذه الزيادة في "الموطأ" عن ربيعة، عن غير واحد من علمائهم، أن أبا موسي، فذكر القصّة، وفي آخره:"فقال عمر لأبي موسى: أما إني لَمْ أتهمك، ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "، وفي رواية عبيد بن حنين:"فقال عمر لأبي موسى: والله إن كنت لأمينًا على حديث رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولكن أحببت أن أستثبت"، ونحوه في رواية أبي بُردة حين قال أُبَيّ بن كعب لعمر:"لا تكن عذابًا على أصحاب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: سبحان الله، إنما سمعت شيئًا، فأحببت أن أتثبت".
قال ابن بطال: فيؤخذ منه التثبت في خبر الواحد لِمَا يجوز عليه من السهو وغيره، وقد قَبِل عمر خبر العدل الواحد بمفرده في توريث المرأة من دية زوجها، وأَخْذ الجزية من المجوس، إلى غير ذلك، لكنه كان يستثبت إذا وقع له ما يقتضي ذلك.
وقال ابن عبد البرّ: يَحْتَمِل أن يكون حضر عنده مَن قَرُب عهده بالإسلام، فخشي أن أحدهم يختلق الحديث عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند الرغبة والرهبة طلبًا للمخرج مما يدخل فيه، فأراد أن يُعلمهم أن من فعل شيئًا من ذلك يُنكر عليه حتى يأتي بالمخرج.
وادّعَى بعضهم أن عمر لَمْ يعرف أبا موسي، قال ابن عبد البرّ: وهو قول خرج بغير رويّة من قائله، ولا تدبر، فإن منزلة أبي موسى عند عمر مشهورة، وقال ابن العربيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: اختُلِف في طلب عمر من أبي موسى -رضي الله عنهما- البينة على عشرة أقوال، فذكرها، قال الحافظ: وغالبها متداخل، ولا تزيد على ما قدمته.