يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} [النور: ٥٨] قال: وهذا غير معروف في تفسيرها، وإنما أطبق الجمهور على أنَّ المراد بالمرات: الثلاث الأوقات.
قال الحافظ: وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيّان قال: بلغنا أن رجلًا من الأنصار، وامرأته أسماء بنت مرثد صنعا طعامًا، فجعل الناس يدخلون بغير إذن، فقالت أسماء: يا رسول الله ما أقبح هذا، إنه لَيَدْخُل على المرأة وزوجِها غلامهما، وهما في ثوب واحد بغير إذن، فنزلت.
وأخرج أبو داود، وابن أبي حاتم بسند قويّ، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سئل عن الاستئذان في العورات الثلاث، فقال: إن الله سَتِيرٌ يحب الستر، وكان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم، فربما فاجأ الرجل خادمه، أو ولده، وهو على أهله، فأُمروا أن يستأذنوا في العورات الثلاث، ثم بسط الله الرزق، فاتخذوا الستور، والحجال، فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم الله به مما أمروا به.
ومن وجه آخر صحيح، عن ابن عباس: لَمْ يعمل بها أكثر الناس، وإني لآمر جاريتي أن تستأذن عليّ.
١٠ - (ومنها): أن لصاحب المنزل إذا سَمِع الاستئذان أن لا يأذن، سواءٌ سَلَّم مرةً، أم مرتين، أم ثلاثًا، إذا كان في شغل له دينيّ، أو دنيويّ يتعذر بترك الإذن معه للمستأذن.
١١ - (ومنها): أن لمن تحقق براءة الشخص مما يَخشى منه، وأنه لا يناله بسبب ذلك مكروه أن يمازحه، ولو كان قبل إعلامه بما يَطْمَئنّ به خاطره مما هو فيه، لكن بشرط أن لا يطول الفصل؛ لئلا يكون سببًا في إدامة تأذي المسلم بالهمّ الذي وقع له، كما وقع للأنصار مع أبي موسي، وأما إنكار أبي سعيد عليهم، فإنه اختار الأَولي، وهو المبادرة إلى إزالة ما وقع فيه قبل التشاغل بالممازحة (١)، والله تعالى أعلم.
(١) "الفتح" ١٤/ ١٧٢ - ١٧٤، كتاب "الاستئذان" رقم (٦٢٤٥).