للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأقل السلام ابتداءً وردًّا أن يُسمع صاحبه، ولا يجزئه دون ذلك، ويشترط كون الردّ على الفور، ولو أتاه سلام من غائب مع رسول، أو في ورقة وجب الردّ على الفور.

قال: وهذا الذي جاء به الحديث من تسليم الراكب على الماشي، والقائم على القاعد، والقليل على الكثير، وفي كتاب البخاريّ: والصغير على الكبير كله للاستحباب، فلو عكسوا جاز، وكان خلاف الأفضل.

وأما معنى السلام: فقيل: هو اسم الله تعالى، فقوله: السلام عليك؛ أي: اسم السلام عليك، ومعناه: اسم الله عليك؛ أي: أنت في حفظه، كما يقال: الله معك، والله يصحبك، وقيل: السلام بمعنى السلامة؛ أي: السلامة ملازمةٌ لك. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (١)، وهو بحثٌ جيّد مفيدٌ، والله تعالى أعلم.

(المسألة الثامنة): قال في "الفتح": واتفقوا على أن مَن سَلَّم لم يجزئ في جوابه إلا السلام، ولا يجزئ في جوابه: صُبِّحْتَ بالخير، أو بالسعادة، ونحو ذلك، واختُلِف فيمن أتى في التحية بغير لفظ السلام، هل يجب جوابه أم لا؟ وأقلّ ما يحصل به وجوب الردّ أن يُسْمِع المبتدئ، وحينئذ يستحقّ الجواب، ولا يكفي الرد بالإشارة، بل ورد الزجر عنه، وذلك فيما أخرجه الترمذيّ من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، رفعه: "لا تشبَّهوا باليهود والنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالإصبع، وتسليم النصارى بالأكفّ"، قال الترمذيّ: غريب، قال الحافظ: وفي سنده ضعف، لكن أخرج النسائيّ بسند جيِّد، عن جابر - رضي الله عنه -، رفعه: "لا تسلّموا تسليم اليهود، فإن تسليمهم بالرؤوس والأكفّ والإشارة".

قال النوويّ رحمه الله: لا يَرِد على هذا حديثُ أسماء بنت يزيد: "مَرّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، وعُصبة من النساء قُعود، فألوى بيده بالتسليم"، فإنه محمول على أنه جمع بين اللفظ والإشارة، وقد أخرجه أبو داود من حديثها بلفظ: "فسلَّم علينا". انتهى (٢).


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٤٠ - ١٤١.
(٢) "الأذكار" للنوويّ ص ٢١٠.