(عَن) سعيد (بنِ الْمُسَيِّبِ) تقدّم أن الأولى كسر الياء المشدّدة؛ لأنه قول أهل المدينة، وهم أعلم به، وإنما فتحه أهل الكوفة، ويُروى عن سعيد أنه كان يكره الفتح (أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - (يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) فيه الحلف في الخبر؛ مبالغة في تأكيده، وقد سبق الكلام في إثبات اليد لله سبحانه وتعالى، وبطلان تأويل من أوّله بالقدرة، فلا تنسَ (لَيُوشِكَنَّ) بفتح اللام؛ لأنها لام القسم، و"يوشكنّ" بضمّ أوله، وكسر ثالثه، مِن أوشك، بمعنى قرُب، أي: لَيَقْرُبَنّ، أي: لا بُدّ من ذلك سَريعًا (أَنْ يَنْزِلَ) "أن" هي المصدريّة، ودخولها في خبر "أوشك" هو الغالب، كما قال في "الخلاصة":
(فِيكُمُ) أي: في هذه الأمة، وإن كان خطابًا لبعضها، ممن لا يُدرِك نزوله (ابْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم -) بالرفع على الفاعليّة لـ"ينزل"، أو على أنه اسم "ليوشكنّ" على الخلاف في ذلك، سيأتي تحقيقه في المسألة الرابعة - إن شاء الله تعالى -.
(حَكَمًا مُقْسِطًا) منصوب على الحال من فاعل "ينزل"؛ أي: يَنزل حال كونه حاكمًا عادلًا بهذه الشريعة، لا ينزل نَبيًّا برسالة مستقلة، وشريعة ناسخة، بل هو حاكم من حُكّام هذه الأمة.
و"المقسط": العادل، يقال: أقسط يُقسط إقساطًا، فهو مُقْسِط: إذا عَدَلَ، ومنه قوله عز وجل:{وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الحجرات: ٩]، وقوله تعالى:{ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} الآية [البقرة: ٢٨٢]، ومنه حديث: "إذا حكموا عَدَلوا، وإذا قَسَموا أقسطوا" (١).