للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القاضي عياضٌ رحمه الله: فيه دليلٌ على قتلها إذا وُجدت ببلاد الكفر، أو بأيدي من أسلم من أهل الذمّة، وقيل: تسرح. انتهى (١).

وقال في "الفتح": قوله: "فيكسرَ الصليب، ويقتل الخنزير"؛ أي: يبطل دين النصرانية، بأن يكسر الصليب حقيقةً، ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه، ويستفاد منه تحريم اقتناء الخنزير، وتحريم أكله، وأنه نجس؛ لأن الشيء المنتفع به لا يشرع إتلافه.

ووقع للطبراني في "الأوسط" من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير والقِرْدَ"، زاد فيه: "القرد"، وإسناده لا بأس به، وعلى هذا فلا يصح الاستدلال به على نجاسة عين الخنزير؛ لأن القرد ليس بنجس العين اتفاقًا. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله: وقتل عيسى عليه السلام للخنزير، وكسره الصليب يدلّ على أن شيئًا من ذلك لم يُسوِّغه لهم، وأن ذلك لا يُقرّ إذا تُمُكّن من تغييره وإزالته، وقيل: معنى قوله: "وَيكسر الصليب" أي: يُبطل أمره، ويكسر حكمه، كما يقال: كسر حجته. انتهى (٣).

(وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ) بالنصب أيضًا، ويحتمل الرفع، كما مرّ أيضًا، و"الجِزْية" بكسر الجيم، وسكون الزاي: ما يؤخذ من أهل الذمّة، جمع جِزًى، مثلُ سِدْرَة وسِدَر (٤)، وفي رواية البخاريّ: "ويَضَعَ الحربَ".

قال النوويّ رحمه الله: الصواب في معناه أنه لا يَقبلها، ولا يَقْبَل من الكفار إلا الإسلام، ومَن بذل منهم الجزية، لم يَكُفَّ عنه بها، بل لا يَقْبَل إلا الإسلام أو القتل، هكذا قاله الإمام أبو سليمان الخطابيّ وغيره من العلماء رحمهم الله تعالى.

وحَكَى القاضي عياض رحمه الله عن بعض العلماء معنى هذا، ثم قال: وقد يكون فيض المال هنا من وضع الجزية، وهو ضربها على جميع الكفرة، فإنه لا يقاتله أحدٌ، فتضعُ الحرب أوزارها، وانقياد جميع الناس له إما بالإسلام، وإما


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٦٠٨.
(٢) "الفتح" ٦/ ٥٦٧.
(٣) "المفهم" ١/ ٣٧٠.
(٤) "المصباح المنير" ١/ ١٠٠.