بإلقاء يد، فيَضَعَ عليه الجزية ويضربها. هكذا ذكر القاضي عياضٌ، وتعقّبه النوويّ، فقال: وليس بمقبول، والصواب ما قدمناه، وهو أنه لا يَقْبَل منه إلا الإسلام.
فعلى هذا قد يقال: هذا خلاف حكم الشرع اليوم، فإن الكتابيّ إذا بَذَل الجزية وجب قبولها، ولم يجز قتله، ولا إكراهه على الإسلام.
وجوابه أن هذا الحكم ليس بمستمرّ إلى يوم القيامة، بل هو مقيّد بما قبل عيسى عليه السلام، وقد أخبرنا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأحاديث الصحيحة بنسخه، وليس عيسى عليه السلام هو الناسخ، بل نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - هو المبين للنسخ، فإن عيسى عليه السلام يحكم بشرعنا، فدَلَّ على أن الامتناع من قبول الجزية في ذلك الوقت، هو شرع نبيّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -. انتهى كلام النوويّ رحمه اللهُ، وهو تحقيقٌ حسنٌ، والله تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "فيضع الجزيةَ" قيل: يُسقطها، فلا يقبلها من أحد، وذلك لكثرة الأموال؛ إذ تقيء الأرض أفلاذ كَبِدها، فلا يكون في أخذها منفعة للمسلمين، فلا يُقبَل من أحد إلا الإيمان، وقيل: يضربها على كلّ صنف من الكفّار؛ إذ قد أذعن الكلّ له، فإما بالإسلام، وإما بأن ألقوا بأيديهم، والتأويل الأولى أولى؛ لقوله بعد هذا:"ولتُتْرَكنّ القلاص، فلا يُسعى عليها"؛ أي: لا تُطلب زكاتها، كما جاء في الحديث الآخر، و"القلاص" جمع قَلُوص، وهي من الإبل كالفتاة من النساء، والحَدَث من الرجال، وهذا كقوله تعالى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (٤)} [التكوير: ٤]، أي: زُهد فيها، وتُركت، وإن كانت أحبّ الأموال إليهم الآن. انتهى كلام القرطبيّ رحمه اللهُ (١).
وقالى في "الفتح": المعنى أن الدين يصير واحدًا، فلا يبقى أحدٌ من أهل الذمة يؤدي الجزية، وقيل: معناه أن المالى يَكثُر حتى لا يبقى من يمكن صرف مال الجزية له، فتُترَك الجزية؛ استغناءً عنها.
وقال عياضٌ: يحتمل أن يكون المراد بوضع الجزية تقريرها على الكفّار من غير محاباة، ويكون كثرة المال بسبب ذلك.
وتعقّبه النوويّ، وقال: الصواب أن عيسى لا يَقبَل إلا الإسلام.