للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: ويؤيده أن عند أحمد من وجه آخر، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "وتكون الدعوى واحدة".

قال النوويّ: ومعنى وضع عيسى عليه السلام الجزية مع أنها مشروعة في هذه الشريعة، أن مشروعيتها مقيدة بنزول عيسى عليه السلام؛ لِمَا دَلّ عليه هذا الخبر، وليس عيسى بناسخ لحكم الجزية، بل نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - هو المبين للنسخ بقوله هذا.

وقال ابن بطال رحمه اللهُ: وإنما قَبِلناها قبل نزول عيسى عليه السلام للحاجة إلى المال، بخلاف زمن عيسى عليه السلام، فإنه لا يُحتاج فيه إلى المال، فإن المال في زمنه يَكُثر حتى لا يقبله أحد.

ويحتمل أن يقال: إن مشروعية قبولها من اليهود والنصارى لِمَا في أيديهم من شبهة الكتاب، وتعلُّقهم بشرع قديم بزعمهم، فإذا نزل عيسى عليه السلام زالت الشبهة بحصول معاينته، فيصيرون كعبدة الأوثان في انقطاع حجتهم، وانكشاف أمرهم، فناسب أن يعاملوا معاملتهم في عدم قبول الجزية منهم، هكذا ذكره بعض مشايخنا احتمالًا، قاله في "الفتح" (١).

(وَيَفِيضَ الْمَالُ) بالنصب، ويحتمل الرفع، كما ذكرنا فيما سبق، وهو بفتح الياء، وكسر ثانيه، وبالضاد المعجمة؛ أي: يكثر، يقال: فاض السيل فيضًا، من باب باع: إذا كثُر، وسال من شَفَةِ الوادي، وأفاض بالألف لغة فيه، وفاض الإناء فيضًا: إذا امتلأ، وأفاضه صاحبه، وفاض الخير: إذا كثُر، وأفاضه الله: كثّره (٢).

والمعنى هنا: أنه يكثر المالُ، وتنزل البركات، وتكثر الخيرات بسبب العدل، وعدم التظالم، وتَقِيء الأرض أفلاذ كبدها، كما جاء في الحديث الآخر، وتَقِلُّ أيضًا الرَّغَبَات لِقِصَر الآمال، وعلمهم بقرب الساعة، فإن عيسى عليه السلام عَلَمٌ من أعلام الساعة (٣)، كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} الآية [الزخرف: ٦١]، والله تعالى أعلم.

(حَتى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ") وفي رواية عطاء بن ميناء الآتية بعد هذا: "ولَيَدْعُوَنَّ


(١) "الفتح" ٦/ ٥٦٧ "كتاب أحاديث الأنبياء" رقم (٣٤٤٨ - ٣٤٤٩).
(٢) راجع: "المصباح المنير" ٢/ ٤٨٥.
(٣) "شرح النوويّ" ٢/ ١٩٠ - ١٩١.