للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في ابتداء الكفّار بالسلام:

ذهب الجمهور من السلف والخلف إلى تحريم ابتدائهم به، وذهب طائفة منهم ابن عباس إلى جواز الابتداء لهم بالسلام، وهو وجه لبعض الشافعية، إلا أنه قال المازريّ: إنه يقال: السلام عليك بالأفراد، ولا يقال: السلام عليكم.

واحتُجّ لهم بعموم قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: ٨٣] وأحاديث الأمر بإفشاء السلام.

والجواب أن هذه العمومات مخصوصة بحديث الباب.

وهذا إذا كان الذميّ منفردًا، وأما إذا كان معه مسلم جاز الابتداء بالسلام، ينوي به المسلم؛ لأنه قد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - سَلَّم على مجلس فيه أخلاط من المشركين والمسلمين، قاله الصنعانيّ رحمه الله (١).

وقال الإمام أبو عمر بن عبد البرّ رحمه الله: وأما ابتداء أهل الذمة بالسلام، فقد اختَلَف فيه السلف ومَنْ بعدهم، فكرهت طائفة أن يُبتدأ أحد منهم بالسلام؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المذكور في الباب، وقال أحمد بن حنبل: المصير إلى هذا الحديث أَولى مما خالفه. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة، عن إسماعيل بن عياش، عن محمد بن زياد الألهانيّ، وشَرَحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة الباهليّ - رضي الله عنه - أنه كان لا يمرّ بمسلم، ولا يهوديّ، ولا نصرانيّ إلا بدأه بالسلام، ورُوي عن ابن مسعود، وأبي الدرداء، وفَضَالة بن عُبيد أنهم كانوا يبدأون أهل الذمة بالسلام، وعن ابن مسعود أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب: السلام عليك، وعنه أيضًا أنه قال: لو قال لي فرعون خيرًا لرددت عليه مثله، وروى الوليد بن مسلم، عن عروة بن رُويم قال: رأيت أبا أمامة الباهلي يسلّم على كل من لقي من مسلم، وذميّ، ويقول: هي تحية لأهل ملتنا، وأمان لأهل ذمتنا، واسم من أسماء الله، نُفْشيه بيننا، وقيل لمحمد بن كعب القرظيّ: إن عمر بن عبد العزيز سئل عن ابتداء أهل الذمة، فقال: نَرُدّ عليهم، ولا نبدأهم، فقال: أما أنا فلا أرى بأسًا أن نبدأهم بالسلام، قيل له:


(١) "سبل السلام" ٤/ ٦٧ - ٦٨.