لم؟ قال: لقول الله عز وجل: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)} [الزخرف: ٨٩] ومذهب مالك في ذلك كمذهب عمر بن عبد العزيز، وأجاز ذلك ابن وهب.
قال ابن عبد البرّ: وقد يَحْتَمِل عندي حديث سهيل أن يكون معنى قوله: "لا تبدؤوهم"؟ أي: ليس عليكم أن تبدؤهم كما تصنعون بالمسلمين، وإذا حُمِل على هذا ارتفع الاختلاف.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الاحتمال الذي ذكره ابن عبد البرّ رحمه الله بعيد عن ظاهر الحديث، فالحقّ أن النهي محمول على التحريم، كما هو مذهب الجمهور، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
ثم أخرج بسنده عن سهيل بن أبي صالح قال: خرجت مع أبي إلى الشام، قال: فجعلوا يمرُّون بصوامع فيها نصارى، فيسلِّمون عليهم، فقال أبي: لا تبدؤوهم بالسلام، فإن أبا هريرة حدّثنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا تبدؤوهم بالسلام، وإذ لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق".
ثم أخرج بسنده عن مَرْثَد بن عبد الله اليزني، عن أبي عبد الرحمن الجهنيّ قال: سمعت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إني راكب غدًا إلى يهود، فلا تبدؤوهم بالسلام، فإذا سلَّموا عليكم فقولوا: وعليكم".
قال ابن عبد البرّ: فهذا الوجه المعمول به في السلام على أهل الذمة، والرد عليهم، ولا أعلم في ذلك خلافًا، والله المستعان.
قال: وقد رَوَى سفيان بن عيينة عن زَمْعَة بن صالح قال: سمعت ابن طاوس يقول: إذا سلَّم عليك اليهوديّ، أو النصرانيّ فقل: عَلاك السلامُ؛ أي: ارتفع عنك السلام، قال ابن عبد البرّ: هذا لا وجه له، مع ما ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولو جاز مخالفة الحديث إلى الرأي في مثل هذا لاتسع في ذلك القول، وكثرت المعاني.
قال: ومثل قول ابن طاوس في هذا الباب قول من قال: يردّ على أهل الكتاب: عليك السلام بكسر السين؛ يعني: الحجارة، وهذا غاية في ضعف المعنى، ولم يُبَحْ لنا أن نَشتمهم ابتداءً وحسبنا أن نردّ عليهم بمثل ما يقولون في قول: وعليك، مع امتثال السُّنَّة التي فيها النجاة لمن تبعها، وبالله التوفيق.