للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد أجاد ابن عبد البرّ رحمه الله في هذا البحث، وأفاد، وخلاصته أن الحقّ هو ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -، وهو أن لا نبدأ الكفّار بالسلام، وإن سلّموا علينا، رَدَدْنا عليهم بقولنا: وعليكم، ولا نزيد عليه، وأما القول: علاك السلام، وكذا عليك السِّلام بالكسر فمخالفة للسنّة الصحيحة الصريحه، فلا يُلتفت إليه، فإن النجاة كلَّ النجاة في اتباع السنّة، والهلاك في تركها، قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١)} [الأحزاب: ٢١] وقال: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: ١٥٨] وقال: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} الآية [النور: ٥٤] وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦)} [الأحزاب: ٣٦] اللهم أرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا أتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وأرزقنا اجتنابه، آمين.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في السلام على من اقترف ذنبًا: قال الإمام البخاريّ رحمه الله في "صحيحه": "باب من لم يُسَلِّم على من اقتَرَفَ ذنبًا، ومن لم يُرَدّ سلامه حتى تتبيّن توبته، وإلى متى تتبيّن توبة العاصي؟ ".

قال في "الفتح": أما الحُكم الأول فأشار إلى الخلاف فيه، وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يُسَلَّم على الفاسق، ولا المبتاع، قال النوويّ: فإن اضطَرَّ إلى السلام، بأن خاف ترتب مفسدة في دين، أو دنيا إن لم يسلِّم سَلَّمَ، وكذا قال ابن العربيّ، وزاد: وينوي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، فكأنه قال: الله رقيبٌ عليكم.

وقال المهلَّب: تركُ السلام على أهل المعاصي سُنَة ماضية، وبه قال كثير من أهل العلم في أهل البدع، وخالف في ذلك جماعة.

وقال ابن وهب: يجوز ابتداء السلام على كل أحد، ولو كان كافرًا، واحتَجَّ بقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: ٨٣].


(١) "التمهيد لابن عبد البرّ" ١٧/ ٩٤.